ونَوع الخط، سوى أنَّ حَالَة حِفْظِ هذا القِسْم أَفَضَلُ بكثير من حَالَة القِسْم الأوّل ولا تُوجَدُ به آثارُ رُطُوبَة في الأطْرَاف مثله، كما أنَّ القِسْمَ الأَوَّل تَعَرَّضَت أَطْرَافُه للقص، فقِيَاسُ وَرَقَة القِسْم الثاني ٢٢.٥ × ١٧.٣ سم.
ونَظَرًا لفَقْدِ الوَرَقَتين الأخيرتين من النُّسْخَة فلا يُوجَدُ بها حَرْدُ مَتن، وبالتالي لا نَعْرِفُ اسْمَ ناسخها أو السَّنَة التي كُتبت فيها، وإن كنت أظُنُّ أنَّ هذه النُّسْخَة هي النُّسْخَة التي كتبها مُظَفَّرُ الفارقي نقلا من خط المؤلّف والتي اعتمد عليها ابن العديم في كتاب "بُغْيَة الطَّلَب"[فيما تقدم ٧٣ - ٧٤] فقد أوضَحَ النَّاسِخُ فِي مُقَدِّمَة المَقَالات الأَرْبَعِ الأولى أنَّه نَقَلَ الكتاب من دُسْتُور المؤلف الذي كَتَبَهُ بخَطِّه، وكان حَرِيصًا على مُحاكاة خَطّ المُؤَلِّف وسَجَّلَ في أَوَّلِ كلِّ مَقَالَةٍ عِبَارَة:"حِكَايَة خَطّ المصنف عبده محمد بن إسْحَاق"، ولم يكتف بذلك بل سَجَّل في نِهَايَة كُلِّ كُرَّاسَة عبارة:"عُورِض"، أي عُورِضَ بأصْلِ المُصَنِّف، وفي بَعْض الأحْيَان كان أكثر تفصيلًا فكتب [ورقة ٦٩ ظ (٧٨ ظ)]: "عُورِضَ بالدُّسْتُور المُصَنَّف المَنْقُول عنه، وصَحَّ، والحَمْدُ لله رَبِّ العالمين"، و [وَرَقَة ١٨٨ ظ]: (عُورِضَ بالدُّسْتُور المُصَنَّف، وصَحّ" و [وَرَقَة ٢٠٨ ظ]: "عُورِض بالدُّسْتُور المنقول منه، وصح، ولله الحمد".
وعندما كان النَّديمُ يَذْكُر أَنَّه سيُورِدُ مِثَالَ نَوْعِ من الخط في المقالة الأولى ويُبيِّض له ولا يُثْبِتُه، كَتَبَ النَّاسِحُ بجوار ذلك [ورقة ٧ ظ]: "أَخْلَلْنَا كما وَجَدْنا في الدُّسْتُور وكذلك في جميع الكتاب"، ويَقْصِد بذلك جَمِيعَ الفَرَاغَات ومَوَاضِع البياض المَوْجُودَة في دُسْتُورِ المُصَنِّف بعد ذلك والتي تتراوح ما بين كلمةٍ وَاحِدَةٍ أو عِبَارَة إلى صَفْحَة كاملة، كما هو واضح - على الأخص - في القسم الثاني المَحْفُوظ في مكتبة شَهِيد علي باشا باستانبول، وقد أشَرْتُ بدَوْرِي إلى مَوَاضِع كلِّ ذلك في أماكنه. فقد حَرَصَ النَّاسِخُ ليس فقط على مُحاكاة خَطّ المُصَنِّف بل أيضًا على مُحاكاة الشَّكل المادي لنُسْحَة المُصَنِّف بما فيها من فَرَاغَات مَوْجُودَة خِلال التَّرَاجِم أو بَيْن التَّرَاحِم بعضها وبَعْض.