وأَظُنُّ أنَّ حِرْصَ نَاسِخ هذه النُّسْخَة على مُحَاكَاةِ خَطِّ المُصَنِّفِ رَاجِعْ إِلى طَبِيعَة الكتاب والذي لم يَسْبِقه كتاب في مَوْضُوعه وطريقة إخراجه. فالكتاب يقوم في الأساس على ذكر عناوين الكُتب، وحتى يستطيع المطالِعُ أنْ يتعرَّف عليها بشهولَة لجأ المؤلف إلى الطريقة التي أثبتها ناسخ النسخة (انظر النماذج الملحقة) والتي تُوَضِّحُ لماذا لم يسْتَخدِم حَرْفَ العَطْف في رَبط عناوين الكُتُب بعضها ببعض كما تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ اللغة، وكنت أسألُ نَفْسِي عن عِلَّةٍ ذلك حتى رَأَيْتُ نُسْخَة "الفِهْرِسْت" وشَاهَدْتُ الطَّرِيقَة التي أَثْبَتَ بها قَوَائِمَ الكُتُب وحتى أسْمَاءِ الشُّعَرَاء، كما في المَقَالَة الرَّابعة.
ويَرْجِعُ تأريخ هذه النُّسْخَة إلى نِهَايَة القَرْنِ الرَّابع الهجري أو بِدَايَة القَرْن الخامس الهجري على أقْصَى تَقْدِير، من شَوَاهِد الخَطِّ ونَوْعِ الوَرَقِ، أَي قَبْلَ أَنْ تَقَع النُّسْخَةُ في يَدِ الوَزِير المَغْرِبي ويُجْري فيها قَلَمَهُ بالإضافات والزِّيَادَات. ويَرَى آربري - الذي فَحَصَ القِسْمَ الأَوَّل من النُّسْخَة - أنَّ عَدَمَ اسْتِخْدام النَّاسِخ لصِيغَة التّرحُّم على المؤلّف ﵀ التي يَسْتَخدِمها النُّسَاخُ عادَةٌ في صَفَحَات عناوين المخطوطات التي تحمل كُتُبًا لمؤلفين رَاحِلِين، جَعَلَهُ يَقْتَرِحُ - دون إثْبَات - أن تكون هذه النُّسْخَة قد كُتبت في حَيَاة المؤلِّف نفسه. وهو افْتِرَاضٌ لا يُوجَدُ عليه دَلِيلٌ، فالنَّاسِخُ يُشِيرُ في وَرَقَة ٨٧ (٧٧ ظ) إلى وُجُودِ إضَافَةٍ مُطَوَّلَةٍ فِي نُسْخَةِ الدُّسْتُور ذَكَرَت تأرِيخَ وَفَاة أبي عبيد الله المَرْزُبَانِي سَنَة ٣٨٤ هـ، مُضَافَةٌ بغير خط المُصَنِّف. فتكون نُسْخَةُ الأصْل قد كُتِبَت - دُون شَكّ - بعد هذا التأريخ، أي بعد وفاة النديم.
ولكن الذي لا شَكَّ فيه أنَّ هذه النُّسْخَة كُتبت في بَغْدَاد، حيث ألَّفَ النَّديمُ كِتَابَه، ونَجَت من الدَّمَارِ الذي ألْحَقَهُ التَّتَارُ ببَغْدَاد والعِراق في أَعْقَابِ سُقُوطِ الخلافة الإسلامية وما تَعَرَّضَت له خَزَائِنُ كُتُبِ بَغْدَاد من تدمير سنة ٦٥٦ هـ / ١٢٥٨ م، ثم انتقلت إلى مصر، في تأريخ نَجْهَلُهُ، وطَالَعَها واسْتَفَادَ منها في مَطْلَعِ مطلع القَرْنِ التَّاسع الهجري شَيْخُ مُؤرّخي مصر الإسلامية تقيُّ الدين أحمد بن