للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكِتَاب، فلم يكن دُكَّانُه مركزًا لنَسْخِ الكُتُب وبَيْعها فَقَط، بل - كعادَة دَكاكين الوَرَّاقِين في هذا العَصْر - مُلْتقًى يَجْتَمِعُ فيه العُلَمَاءُ للتَّعَرُّفِ على الجَدِيدِ من الكُتُب ولتَدَاوُل المَعْلُومَات في مُخْتلف مَجَالات الفِكْر والإبْدَاع الأدَبِي.

وتَعَرَّفَ النَّدِيمُ في هذه البِيئَة العِلْمِيَّة على مَشَايِخِه وأَسَاتِذَتِه الذين تَتَلْمَذَ عليهم وأخَذَ عنهم: أبي سَعِيدٍ السِّيرَافي [١: ١٥٦، ١٦٦] وأبي الفَرَج الأصْبَهَانيّ [١: ٤٣٨] ومحمد بن يُوسُف النَّاقِط [١: ٥٩] وأبي عُبَيْد الله المَرْزُبانيّ [١: ٤٠٧] وأبي الحَسَن عليّ بن هَارُون بن المُنَجِّم [١: ٤٤٥] وأبي عليّ إِسْمَاعِيل الصَّفَّار [١: ١٦٤].

ولا شَكّ أنَّه أَخَذَ مُنْذُ وَقْتِ مُبكِّر في جَمْعِ مادَّة كِتَابِه "الفِهْرِسْت"، كما تَدُلُّ على ذلك العَدِيدُ من التَّوَاريخ التي ذَكَرَهَا في كتابه، وكان يَتَبَادَل الرَّأْيَ حَوْلَ بَعْض هذه المَوَادّ وتَرْتِيبِها مع مَنْ يَلْقَاهُ من العُلَمَاءِ، يَقُولُ في تَرْجَمَة قُسْطَا بن لُوقَا البَعْلَبَكِّي: "وقد كان يَجِب أَنْ يُقَدِّمَ على حُنَيْن لفَضْلِه ونُبْلِه وتَقَدِّمِه في صِنَاعَة الطِّبّ، ولكنَّ بَعْضَ الإخْوَان سَأل أنْ يُقَدِّمَ حُنَيْنٌ عليهٌ، وكلا الرَّجُلَيْن فَاضِل" [٢: ٢٩٢].

وكان يَنْتَهِزُ وُجُودَهُ في مَجَالِس بعض الكُبَرَاء ويَسْتَفسرُ من بعض الحَاضِرين حَوْلَ بَعْض المَسَائِل، مِثْل اسْتِفْسَارِه من أبي الخَيْر الحَسَن بن سَوَّار بن الخّمَّار، بحَضْرَة أبي القَاسِم عيسى بن عليّ - عن أَوَّلِ مَنْ تكلَّمَ في الفَلْسَفَة [٢: ١٥٢ - ١٥٣]. وسُؤَالِه في البُسْتِي هل هو بالسِّين أو بالشِّين، لأنَّ البُسْتَ مَعْرُوفٌ في أَرْضِ سِجِسْتان، وبُشْت لا نَعْرِفُها [١: ٤٣١].

وكانت تَرْبِطُ النَّدِيم عَلَاقَةٌ وَطِيدَةٌ بأبي القاسِم عِيسى بن عليّ بن عِيسى بن دَاوُد بن الجَرَّاح، المتوفَّى سنة ٣٩١ هـ/ ١٠٠١ م، وكان يَحْضُر مَجَالِسَه، قال عنه النَّديمُ: "أَوْحَدُ زَمَانِهِ في عِلْم المَنْطق والعُلُوم القَدِيمَة"؛ وكُلَّما وَرَدَ اسْمُه أتْبَعَهُ بعِبَارَة "أَيَّدَهُ الله"، وقد رَجَحْتُ أنَّ أبا القَاسِم عِيسى بن عليّ هو الشَّخْصُ الذي أهْدَى إليه النَّديمُ كِتابَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>