للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان النَّديمُ - كما يَتَّضِحُ من صَفَحَات كِتَابه - شِيعيًّا مُتَحَمِّسًا، قال عنه ياقُوتٌ الحَمَوي: "وكان شِيعيًّا مُعْتَزِلِيًّا". وقال المَقْريزيٌّ: "وقد اتُّهِمَ بالتَّشَيُّع عَفَا الله عنه". وقال ابن حَجَر: "ومُصَنِّفُهُ المَذْكُور - يَعْنِي الفِهْرِسْت - يُنَادِى على مَنْ صَنَّفَه بالاعْتِزَال والزَّيْغُ نَسْأَلُ الله السَّلامَة". ووَصَفَهُ الذَّهَبِيُّ قَبْلَهما بـ "الأخباري الأديب الشِّيعيّ المُعْتَزِليّ". وأضَافَ ابْنُ حَجَر: "ولمَّا طَالَعْتُ كِتَابَه ظَهَرَ لي أنه رَافِضِيٌّ مُعْتَزِليٌّ فإنَّه يُسَمِّي أَهْلَ السُّنَّة الحَشْويَّة ويُسَمِّي الأشَاعِرَة المُجْبِرَة ويُسَمِّي كُلَّ مَنْ لم يكن شِيعِيًّا عامِّيًّا. وذَكَرَ فِي تَرْجَمَة الشَّافِعِيّ شَيْئًا مُخْتَلَقًا ظَاهِرَ الافْتِرَاء حيث قال: "كان الشَّافِعِيُّ شَدِيدًا في التَّشَيُّع". أقولُ: وقد عَلَّقَ شَخصٌ على هَامِش نُسْخَة الأصْلِ أمام هذا المَوْضِع: "المُصَنِّفُ شِيعيٌّ جَلْد، فأَرَادَ أَنْ يَفْتَخِرَ بالشَّافِعِيّ بأنَّه منهم، فكَذب" (١).


(١) كان القَرْنُ الرَّابع الهجري/ العَاشِر الميلادي - الذي عَاش فيه النَّدِيمُ - هو "عصر انْتِصَار الشِّيعَة". فقد نَجَحَ الزَّيْدِيُّون في إقَامَةِ دَوْلَةٍ حَاكَمَةٍ في طَبَرِسْتَان سَنَة ٢٥٠ هـ/٨٦٤ م وفي اليَمَن سَنَة ٢٨٤ هـ / ٨٩٧ م، واسْتَوْلَى القَرَامِطَةُ على جَنُوبِ العِرَاقِ والبَحرين والأحْسَاء، وتَوَّجَ الفَاطِمِيُّون نَشَاطَهُم السِّرِّي المُكَثَّفَ الذي اسْتَمَرَّ أكثر من مائة وخمسين عامًا بإعْلانِ قِيَامِ الخِلَافَة الفاطِمية في إفِريقيَّة سَنَة ٢٩٧ هـ / ٩٠٨ م ثم في مصر سَنَة ٣٥٨ هـ / ٩٦٩ م. ولم يَمْض على انْتِصَار الفاطميين ثَلاثُون عَامًا إلَّا وقد ظَهَرَ جَلِيًّا انْهَيَارُ سُلْطَة الخِلَافَة العَبَّاسيَّة عندما نَجَعَ البُوَيْهِيُّون الشِّيعَة سَنَة ٣٣٤ هـ / ٩٤٥ م، في فَرْضِ سَيْطرتهم على بَغْدَاد مركز الخِلافَة السُّنِّيَّة واعْتَنَقَتْ العَدِيدُ من الإِمَارَات العَرَبيَّة الصَّغيرَة في بِلادِ الرَّافِدَيْن والجَزيرَة وسُورْيا الشَّمالية المَذْهَبَ الشِّيعي. ثم جَاءَ اسْتِقْرَارُ الأَتْرَاكِ السَّلاجِقَة (الغُزّ) في فَارِس والعِرَاق والجَزِيرَة وسُورْيَا الشَّمَالية ليُوقِفَ هذا الزَّحْفَ للتَّشَيُّعِ السَّياسي وتَمَكَّنُوا مِن وَضْعِ نِهَايَةٍ لتَحَكُّم البُويْهِيين في الخِلَافَة العَبَّاسِية، سَنَة ٤٤٧ هـ/ ١٠٥٥ م، ومَدُّوا نُفُوذَهم على مُمْتَلَكات الفَاطِميين في الشَّام، ثم اسْتكمَل خُلَفَاؤهم الزَّنْكيون ثم النُّوريُّون، وأخيرًا الأيُّوبِيُّون عَمَليَّة الإحْيَاء السُّنيّ التي انْتَهَت بالقَضَاءِ على الخِلافَة الفَاطِميَّة في مصر، سَنَة ٥٦٧ هـ ١٠٧١٢ م والقَضَاءِ على النُّفُوذِ الشِّيعي في كلِّ المَنْطِقَة عن طَرِيق "المَدَارس" التي بَدَأها في عام ٤٥٩ هـ/١٠٦٦ م الوَزِيرُ نِظَامُ المُلْك السُّلْجُوقي.
ولم يَبْدأ المَدُّ الشِّيعي في اسْتِعَادَة نَشَاطِهِ إِلَّا مع مَطْلَعِ القَرْنِ العَاشِر الهجري/ السَّادس عَشَر الميلادي بعد أنْ فَرَضَ الشَّاه إسْمَاعِيل الصَّفَوي=

<<  <  ج: ص:  >  >>