للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَظْهَرُ تَشَيُّعُ المؤلِّف كذلك عندما ذَكَرَ أنَّ الواقِدِيّ كان يَتَشَيَّعَ ولكنَّه يُخْفي ذلك تَقِيَّةً [١: ٣٠٨]، ومن قَوْلِه عن مُصْعَبٍ بن عبد الله الزُّبَيْرِي أَنَّ أَبَاهُ عبد الله كان من أشْرَارِ النَّاسِ مُتَحَامِلًا على وَلَدِ عليّ، [١: ٣٤٠]، ومن جَعْلِه أكثر المُحَدِّثين، مثل سُفْيَان بن عُيَيْنَة وسُفْيَان الثَّوْرِيِّ، على مَذْهَبِ الزَّيْدِيَّة [١: ٦٣٩ - ٦٤١]. أمَّا هو نفسه فكان شيعيًّا إمَامِيًّا كما يَبْدُو من إنْكارِه لما جَاءَ في كُتُبِ الإسْمَاعيلية [١: ٦٧٢].

ويَتَّضِحُ مَيْلُ النَّدِيم إلى الاعْتِزَال من ثَرَاء الفَصْل الذي عَقَدَهُ لمُصَنِّفي المُعْتَزِلَة، والمَوْجُودُ فَقَط نُسْخة شيستربيتي، والذي اشْتَمَلَ على مَعْلُومات مُهِمَّة لا نجدها حتى في كُتُبِ "طَبَقَاتِ المُعْتَزِلَة"، حتى قال عنه السُّبْكيّ: "كان فيما أحْسَبُ مُعْتَزِلِيًّا، وله بَعضُ المَسِيس بصناعَة الكلام" (١).

والمكانُ الوَحِيدُ الذي ذَهَبَ إِليه النَّدِيمُ خَارِجَ بَغْدَاد وصَرَّحَ به، هو مَدِينَةُ المَوْصِل في شَمَال العِرَاق التي تَرَدَّدَ عليها في فَتَرَات مُخْتَلِفَة. فعند حَدِيثه عن الإِسْمَاعِيلِيَّة يَذْكر منهم رَجُلًا يُعْرَفُ بابن حَمْدَان وأنَّه رِآه بالمَوْصِل [١: ٦٧٤]. وعند حَدِيثه على كتاب "أصُول الهَنْدَسَة" لأُقْلِيدِس ذكر أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيّ نَقَلَ منه مَقَالَات رأى منها العَاشِرَة بالموصل في خِزانَةِ عليّ بن أحمد العِمْرَاني [٢: ٢٠٨]. وهو رَجُلٌ من أهْل المَوْصل جَمَّاعَةٌ للكُتُب يَقْصِدُهُ النَّاسُ من المَوَاضِع البَعِيدَة للقِرَاءَة عليه، وتُوفِّي سنة ٣٤٤ هـ / ٩٥٥ م [٢: ٢٥٨]، وهو ما يَدُلُّ على أنَّ زِيَارَة النَّديم للمَوْصِل كانت قَبْل هذا التاريخ، إلَّا أنْ يكون قد زَارَ المكتبة بعد وَفَاة


= المَذْهَبَ الشِّيعي مَذْهَبًا رَسْمِيًّا في مُخْتَلف أنْحَاءِ إيران ودَخَلَ منها إلى العِرَاق.
ويُوَضِّحُ هذا العَرْضُ المَوْقِفَ الذي تَبَنَّاهُ يَاقُوتٌ الحَمَوِيُّ والذَّهَبي والمَقْريزي وابنُ حَجَر - مُمَثِّلُو السِّيَادَة السُّنِّية - من تَشَيُّع النَّديم، والذي يُعَبِّر عن الانْتصار السُّنِّي الذي سَادَ بَينَ القَرْنَيْن السَّابع والتَّاسع للهجرة في ظِلِّ الأيُّوبيين والمماليك والإيلْخانِيين وبِدَايَات العُثْمَانِيين.
(١) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ٢٩٩:٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>