مَنْهَجَهُم، وكذلك عن أُصُولِ "أَلْفِ لَيْلَة ولَيْلَة"، كما أَنَّه يُقَدِّمُ لنا مَعْلُومات في غَايَة الأهَمِّيَّة في مَقَالَة الاعْتِفَادَات القَدِيمَة عن الصَّابِئَة والمَانَوِيَّة ومَذَاهِب الهِنْد والصِّين، ويُدْلي برأيه أحْيَانًا عند حَدِيثه عن السِّحْر الأسْوَد والسِّحْر الأبْيَض، على سَبِيل المِثَال، أو على الشَّعْبَذَة والخُرَافَات وعِلْم الصَّنْعَة أو الكِيمْيَاء؛ وخاصَّةً أنَّه يُحِيلُ إليها عندما يَقُولُ في المَقَالَة الأولى عند حَديثه على أنْوَاع الوَرَق [١: ٤٧]"وقد اسْتَقْصَيْنا خَبَرَ ذلك في مقالة الفَلاسِفَة". وعند حديثه على النَّقَلَة للكتاب المُقَدَّس [١: ٥٨] يقول: "ونحن نَسْتَقْصي أَخْبَارَهُم في مَقَالَةَ العُلُومِ القَديمَة".
وتَعْكِسُ المقَالَاتُ الأخِيرَةُ، بالإضَافَة إلى ذلك، الطَّبِيعَة المُتَغَايِرَة للمَصَادِر المُسْتَخْدَمَة في كتابتها، ورُبَّما أَيْضًا تَطَلُّبها لمَعْرِفَة خَلْفِيَّةٍ من المَعْلُومَات غير المُتَوَافِرَة في المَجَال المألُوف للأدَبِ العَرَبِي التَّقْليدي، وتَكْشِفُ عَن ضَرُورَة وُجُود صِيَاغَةِ أوَّلِيَّةٍ لبَعْض فُصُولِ هذه المَقَالَات. ويمكن أنْ نَجِدَ فِي مَدْخَل جَالِينُوس أَنمُوذَجًا على ذلك يَدُلُّ على أنَّه كُتِبَ أَوَّلًا قَبْل سَنَتَيْن أو ثَلاثَة من إدْمَاجِه في "الفِهْرِسْت". فقد اعْتَمَدَ فيه النَّدِيمُ الرِّوَايَة التَّالِيَة لإسْحَاق بن حُنَيْن في "تاريخ الأطِبَّاء والفَلاسِفَة"، يَقُولُ إِسْحَاقُ:
"ومن وَفَاةِ جَالِينُوس وإلى سَنَة تِسْعِين ومائتين للهجرة [سَنَة تأليف كتاب إِسْحَاق] ثَمَان مائة وخَمْس عَشْرَة سَنَة"[تاريخ الأطباء ١٥٥]. واسْتَخْدَمَ النَّدِيمُ الرِّوَايَةَ نَفْسَها ولكنَّه صَاغَها هكذا:"ومُنْذُ وَفَاةِ جَالِينُوس إلى عَهْدِنا هذا، على ما أَوْجَبَهُ الحِسَابُ الذي ذكره يحيى النَّحْوي وإسْحَاقُ بن حُنَين بعده، تِسْع مائة سَنَة"[٢: ٢٧٦]. فيكون قد كَتَبَ المَدْخَلَ الخاصّ بجَالِينُوس أو بَعْضَه سَنَة ٣٧٥ هـ / ٩٨٥ م، أي قبل سَنَتَيْن من إدْمَاجِه في "الفِهْرِسْت"، رَغْم أَنَّنا لا يمكن أنْ نَتَأكَّدَ تمامًا من صَوَابِ هذا التَّأريخ، لأنَّ تأريخَ وَفَاة جَالِينُوس