للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن بَين المُرْجِئَة القَلِيلين الذين ذَكَرَهُم النَّديمُ نَجِدُ مُتَكَلِّما كان مَنْسِيًّا تَقْرِيبًا هو حُمَيْدُ بن سَعِيد بن بَخْتَيَار [٦٠٩:١] الذي كان في خِلالِ مِحْنَةِ خَلْقِ القُرْآن على اتِّفَاقٍ سِيَاسِيّ ضِدّ المُشَبِّهَة ومع خَلْقِ القُرْآن، وإنْ عُدَّ في عَهْدِ الخَلِيفَة المُعْتَصِم شُعُوبِيًّا زِنْدِيقًا.

ونَظَرًا لأنَّ النَّديمَ كان بَغْدَادِيًا فإنَّه لا يُقَدِّمُ لنا مَعْلُومات مُؤَكَّدَة إِلَّا عن مُعْتَزِلَة بغْدَاد. وهو لا يَذْكُر لنا إِطْلاقًا في هذا الفنّ المَصْدَرَ الذي اسْتَمَدَّ منه مَعْلُومَاته، والمَصْدَرُ الوَحِيدُ الذي يُحِيلُ إليه هو كِتَابُ "مَحَاسِن خُرَاسَان" لأبي القَاسِم البَلْخِيّ، ولم يَعْتَمِد على كِتابِه الآخَر "المَقَالات" لأنَّه - كما يَتَّضح من عُنْوانه - يَشْتَمِلُ على مَعْلُومَات كلامِيَّة، ولم يُوَجِّه النَّديمُ اهْتِمَامه إلى مَسَائِل من هذا النَّوْع. والمَعْلُوماتُ التي يَسُوقها البَلْخِيُّ أَخَذَهَا في الأغْلَب عن أبي الحُسَيْن الخَيَّاط، أحد مُعْتَزِلَة بَغْدَاد الذي الْتَقَاهُ في بَلْخ.

وكَتَبَ بعد النَّديم بنحو ثَلاثَة عُقُودٍ القاضي عبد الجبَّار بن أحمد المُعْتَزِلي، رأس الطَّبَقَة الحادية عَشَرَة من رجال المُعْتَزِلَة، أوَّلَ كِتاب في طَبَقَاتِ المُعْتَزِلَة وَصَلَ إلينا، ومن الغَرِيب أنَّ القاضي عبد الجبَّار لا يُشيرُ إطْلاقًا إلى كِتابِ "الفِهْرِسْت" وإلى الفَصْلِ المُهِمّ الذي عَقَدَهُ النَّدِيمُ عن مُصَنِّفي المُعْتَزِلَة.

وهكذا يَسْتَمِدُّ الفَضْلُ الذي عَقَدَهُ النَّديمُ عن المُعْتَزِلَة أَهَمِّيَّتَهُ كَمَصْدَر مُتَمَيِّزٍ في مَعْرِفَة أَسْمَاءِ الكُتُب، وإنْ كنَّا نَجْهَلُ حتَّى الآن من أَيْنَ اسْتَمَدَّ هذه القَوَائِم.

واعْتَمَدَ النَّديمُ فيما ذَكَرَهُ عن أخْبَار الزُّهَّاد والعُبَّاد والمُتَصَوِّفَة المتكلِّمين على ما قَرَأه بخَطّ أبي محمد جَعْفَر بن محمَّد بن نصير الخُلْدِيّ، المتوفَّى سَنَة ٣٤٨ هـ / ٩٥٩ م، وأضَافَ أنَّه سَمِعَه يَقُول ما قرأه بخَطِّه [٦٥٥:١].

<<  <  ج: ص:  >  >>