للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسدهم للطلبة على موضعهم منه وتقريبه إياهم، وخلوته بهم دونهم، يا معشر الموحدين أنتم قبائل فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته، وهؤلاء - يعني الطلبة - لا قبيل لهم إلا أنا، فمها نابهم أمر فانا ملجأهم، والي فزعهم والي ينتسبون. فعظم منذ ذلك اليوم أمرهم وبالغ الموحدون في برهم وإكرامهم فمن هنا تعلم أن الحالة بقيت كما كانت في أيام المرابطين مدة حكم عبد المؤمن وابنه يوسف إلى أيام المنصور. أما أن هذا كان مقصد أبيه وجده، فهو مما لا شك فيه، بل إنه كان مقصد ابن تومرت بالأصالة وقد عمل عليه ودعا إليه في دروسه وكتبه، إلا أنه لم يكن صارماً في ذلك مثل المنصور.

وعلى ما يبدو في فعل المنصور هذا من تضييق خناق الحرية الفكرية وتقييد إرادة أهل العلم فإنه أفاد الحركة العالمية من الوجهة العامة فائدة جلى، حيث جعل الناس يقللون من الإكباب على النظر في علم الفروع المجرد، وينصرفون إلى دراسة الفقه في أصليه العظيمين أعني الكتاب والسنة. فظهر الاشتغال بعلم التفسير وعكف الناس على تفهم كلام الله عز وجل ودراسته دراسة علمية صحيحة، ونبغ المفسرون العديدون مثل عبد الجليل القصري والحرالي والمزدغي. كما انتشر علم الحديث رواية ودراية واقبل الناس على الأخذ عن رجاله والتأليف في فنونه المختلفة. وكان الأخوان أبو الخطاب وأبو عمرو ابنا دحية السبتيان وابن القطان الفاسي ومحمد بن قاسم التميمي من ألمع محدثي هذا العصر.

[الفقه والتصوف]

وبما إن النظر الفقهي قد تطور فإن التصوف لم يبق يعد منكراً كذي قبل، ولم يبق للفقهاء على أهله تلك الصولة. فظهر جماعة من الصوفية الكبار أصحاب النزعات الفلسفية وانبثت مذاهبهم المختلفة في الناس. ولا نقصد الأندلسيين منهم كابن عربي الحاتمي وابن سبعين والششتري وغيرهم؛ فإن في الصوفية المغاربة من كانوا ذوي آراء وأنظار غريبة فلسفية واجتماعية ورياضية، كأبي الحسن المسفر وأبي العباس السبتي وأبي محمد صالح الآسفي. والجدير بالذكر هو أن النهضة الموحدية أثرت على العقول في الأندلس والمغرب تأثيراً متشابهاً فأصبح الفكر الإسلامي في كلا

<<  <  ج: ص:  >  >>