للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفاتحون الحقيقيون]

لم يتم فتح المغرب كله إلا في زمن يزيد بن معاوية سنة ٦? هـ، على يد عقبة بن نافع، ذلك البطل العظيم الذي غامر بنفسه، وأقحمها المخاطر في سبيل نشر الدعوة الإسلامية وبثّها بهذه الأصقاع. ففي الحقيقة إن هذا الفتح الأول لبلاد المغرب، وما كان سابقاً عنه، إنما هو مقدمة وتمهيدٌ له.

وأول ما فتح من البلاد طنجة، ثم وليلى (١)، وهما إذ ذاك حاضرتا المغرب، ثم استرسلت الفتوح بعد في سائر القبائل المغربية، التي كانت تنقطع الأطماع دونها لتحصنها ومناعتها وشدة بأسها، والتي طالما حاولت إيقاف جيش الفتح الإسلامي عند حده؛ فقاتلها عقبة قتالاً ذريعاً واستنزلها على حكمه. ثم تقدم إلى السبوس؛ ففتح تارودانت عاصمته، ومضى لا يلوي على شيء، حتى وقف بساحل المحيط الأطلسي، حيث رفع يده إلى السماء وقال: «اللهم أشهد أني بذلت الجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك، حتى لا يعبد أحد من دونك.» فانتشر الإسلام بالمغرب من أقصاه إلى أقصاه، وبدأ يصارع الوثنية المستحكمة فيه. ولولا قتل عقبة بتهوذة من مدن الزاب، بعد ذلك بسنتين لما بقي لها معه ظهور البتة في المدة القريبة. ولكن وقوع ذلك الحادث المؤلم في مثل تلك الظروف الحرجة، كان ضربة لازب على عدم نجاح الآمال المتعلقة باستقرار الحالة، بعد الفتح، واستتباب الأمن والراحة المتيسر في ظلها كل عسير، والممكن معهما تذليل جميع الصعوبات القائمة بأعمال الفاتح الكبير.

اضطرب الحبل بعد موت عقبة بن نافع، وانتقضت الأمور بإفريقية الشمالية، وعمت الفوضى وغلبت الفتن. وجرت بعد ذلك حوادث كثيرة لا شأن لنا بها؛


(١) هي المدينة الرومانية الأثرية المسماة «فلو بيليس» Volubilis الواقعة مقربة من زرهون، وكانت عند قدوم الإمام إدريس ما تزال عامرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>