إلى أن حصلت مذهبه فأعلمته به، فقال لي أبو الوليد: هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود. وكان فصيح اللسان قادراً على الكلام، لا يناظره أحد إلا أفحمه، حتى كأن مواقع الحجج من الكتاب والسنة موضوعة على طرف لسانه، وكان مع ذلك حليماً صبوراً عطوفاً يحسن إلى من يؤذيه، ويحلم عمن يسفه عليه، براً باليتامى والمساكين، رحيماً بهم، يجلس حيث أمكنه الجلوس من الأسواق والطرقات، ويحض الناس على الصدقة ويأتي بما جاء في فضلها من الآيات والآثار فتنهال عليه من كل جانب فيفرقها على المساكين وينصرف.
وكان ناسكاً متعبداً ورده القرآن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار. وقد اتخذه أنيساً وسميراً واستخرج منه من دقائق العلوم ولطائف الإشارات في المجاهدة ورياضة النفس شيئاً عجيباً. وبالجملة فهو رجل من أعاجيب الدنيا، وترجمته أوسع من هذا.
[عبدالسلام بن مشيش]
هو الشيخ العارف الكامل أبو محمد عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر بن علي بن حرمة بن عيسى بن سلام بن المزوار بن حيدرة بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبدالله الكامل ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، كعبة العلم المنيف، ونبعة النسب الشريف. بيد أنه لم يعتمد غير العمل الصالح، وسلوك المنهج الواضح، قائلاً في صلاته المشهورة الآتية: اللهم ألحقني بنسبه، . وحققني بحسبه. وقد سأله رجل أن يوظف عليه وظائف وأوراداً يعمل بها فقال: أرسول أنا؟ الفرائض مشهورة، والمحرمات معلومة، فكن للفرائض حافظاً، وللمعاصي رافضاً، واحفظ نفسك من إرادة الدنيا وحب النساء وحب الجاه وإيثار الشهوات، واقنع من ذلك بما قسم الله لك، إذا خرج لك مخرج الراضي فكن له شاكراً، وإذا خرج لك مخرج السخط فكن عليه صابراً. ورفض الدنيا قطب تدور عليه الخيرات، وأصل جامع لأنواع الكرامات، وحصون ذلك كله أربعة: الورع وحسن النية وإخلاص العمل ومحبة العلم. ولا تتم له هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح، أو شيخ ناصح. وكلامه