نما الأدب المغربي في عهد المرابطين وترعرع، ولكنه لم يقو قوة الأدب الأندلسي ويسيطر على الميدان.
على أنه مع ذلك لم يكن ضعيف المادة ولا منحسر الموجة، بل كان ذا روح معنوية قوية تمثل الواقع المغربي في أجلى مظاهره، ذلك الواقع الذي لم يفتأ أن أثر في الأدب الأندلسي نفسه فانتشله من هوة الضعف والابتذال التي كان وقع فيها على ما ألمعنا إليه فيما مضى. فلما قام الموحدون، وقامت معهم تلك النهضة العلمية الأدبية، التي سبق توصيفها، تحول مجرى السفينة الأدبية إلى المغرب، وسيطر عليها الأدباء المغاربة يزجونها بمعرفة وحذق، وتعينهم على ذلك ريح رخاء من لطف تدبير الموحدين وحسن سياستهم.
وقد سبق ذكر ما كان لهم من العطف على الأدب والتشجيع لأهله، حتى لقد كان واحدهم يثيب على البيت والبيتين يمدح بها بالألف والألفين، بل كان الآخر يبلغه عن شاعره وقوعه فيه وتعريضه بأصله فيقول أعاقبه بالحلم عنه، وهي نفس الهفوة التي أخذوها على الفيلسوف أبي الوليد بن رشد، فلم يتسامحوا مع العلماء، وتسامحوا مع الشعراء، مما يدل على أن ضلعهم مع الأدب كان كبيراً.
وقد رأيت مقام الشعراء من عبد المؤمن في جبل طارق، وكيف كان أول من أنشده في ذلك المقام شاعر فاسي، وكان هو يعقب على قصائد الشعراء بالنقد أو التقريظ، ثم أعيد هذا الموقف، ولكن بأعظم من ذلك مع حفيده يعقوب المنصور لما رجع من غزاة الأرك المشهورة بالأندلس، فورد عليه وفود المهنئين والشعراء من كل ناحية، فكان كل واحد منهم ينشد من قصيدته بيتا أو بيتين لكثرتهم ويترك رقعتها أمامه، فما استتموا الإنشاد حتي حالت رقاع القصائد بينه وبين الناس، وهذا إن ثبت على حقيقته، كان أعظم شاهد على ما بلغته الحياة الأدبية في هذا العصر من النمو والازدهار.