النادرة، وزادها غنى ما كان يضعه المؤلفون كل يوم من الكتب المفيدة في مختلف العلوم، فكانت ثروتها لا تزيد على مر الأيام إلا كثرة، وما يمنعها من ذلك والناس في ذلك العصر لم يكونوا يبيعون كتب أسلافهم لأوروبا بأبخس ثمن، بل كانوا يستخلصونها منها بأغلى قيمة، وينافس عامتهم في ذلك خاصتهم، وقد سمعت ما عمله الملك الموحدي يوسف بن عبد المؤمن في هذا الصدد، فاسمع ما عمله أحد أفراد العلماء وهو القاضي عيسى بن أبي حجاج بن الملجوم، وبنو الملجوم من بيوتات فاس القديمة؛ فإنه ابتاع من أبي علي الغساني أصله من سنن أبي داود، الذي سمع فيه على أبي عمر بن عبد البر، وهو أصل أبي عمر، وكان صار إلى أبي علي؛ بخمسة آلاف دينار بعد أن نسخ منه بخطه وقابله وأتقنه.
وكان الإمام المجتهد فخر بيته أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن الملجوم المعروف بابن رقية، جماعة للدواوين العتيقة والدفاتر النفيسة؛ فاجتمع لديه ما لم يجتمع عند أحد من أهل المغرب، وكانت خزانته وحيدة في المغرب، بيعت خرمها بعد وفاته بستة آلاف دينار.
فحيا الله تلك الهمم، ما كان أعلقها بالمعالي وأطرقها لأبواب الفخار!