أمر المأمون الموحدي بقتل أشياخ الموحدين وأشرافهم فقتلوا عن آخرهم ولم يبق منهم على أحد ولم يراع والداً ولا ولداً حتى أنه أتي بولد أخته وهو صبي صغير ابن ثلاث عشرة سنة، وكان قد حفظ القرآن فلما قدم ليقتل قال له يا أمير المؤمنين أعف عني لثلاث قال وما هي؟ قال يصغر سني وقرب رحمي منك وحفظي للكتاب العزيز فأعجبه قوة جأش الغلام وإقدامه على الكلام في مثل ذلك المقام، ثم نظر إلى القاضي المكيدي كالمستشير له، فقال يا أمير المؤمنين «إنك أن تذرهم يضلوا عبادك» الآية فقتله.
وطلب الشيخ أبو اسحق الغافقي لتأديب ولد لبعض رؤساء سبتة فقرأ معه كتاب الجمل للزجاجي حتى إذا وصل لقوله في حروف المضارعة يجمعها قولك «نأيت» قال له ذلك الولد يا سيدي ينبغي أن تقدم الهمزة على النون لما في ذلك من حسن اللفظ والمناسبة، أما حسن اللفظ فنأى معناه بعد وأني معناه قرب والتفاؤل بالقرب حسن، وأما المناسبة في أن يكون لكل واحد من هذه الأحرف ضعف ما قبله، فإن الهمزة لمعنى واحد؛ للمتكلم وحده، والنون المعنيين للمتكلم ومعه غيره أو المعظم نفسه، فهو ضعف الهمزة، والياء لأربع معان الغائب والغائبين والغائيين والغائبات نحو يقوم