من العسير جداً أن نحاول تقديم بعض الشخصيات البارزة من أعضاء الهيئة العلمية في هذا العصر إلى القارئ كما فعلنا في العصر قبله. فلئن أمكن ذلك هناك، فلانحصار التبريز في أشخاص معينين؛ أما هنا فالشخصيات كثيرة، وكل مبرز في فنه، وخصوصاً رجال الفقه والدين فإن هؤلاء لا يكادون يحصون، وفضلاً عن كثرتهم، فإنهم متكافئون في الرتبة، فماذا نفعل? هل نطوي ذكر هذا الصنف من العلماء ونضرب عنه صفحاً ونأخذ بقاعدة منع الجميع أرضى للجميع، أم نذكر بعضاً ونترك بعضاً، وإن غمطنا حق هذا البعض المتروك.
لا نظن أن القارئ يوافق على طي ذكر الجميع، ولعله يكون أكثر شوقاً إلى معرفة بعض المعلومات عن بعض علماء هذا العصر كما في العصر السابق، فلنذكر بعض أفراد منهم على أنهم نموذج ومثال فقط، لا على أنهم اللب والخيرة ممن لم نذكرهم، وفي ظننا أننا بذلك نخرج من الورطة ونخلص من التبعة.
[أبو الحسن الصغير]
علي بن عبد الحق الزرويلي الشهير بأبي الحسن الصغير بصيغة التصغير، فقيه كبير من الصدور الحفاظ، كان مجلسه من أعظم المجالس بفاس، يحضره الجم الغفير من خيرة الطلبة وعلية الفقهاء، ويقصده الناس من أقاصي البلاد. ولي قضاء تازة على عهد السلطان أبي يعقوب يوسف، ثم ولي قضاء فاس في أيام حفيده أبي الربيع سلمان. وعضده السلطان فانطلقت يده على أهل الجاه، وأقام الحق على الكبير والصغير، والقوي والضعيف، من غير مداراة في ذلك ولا محاباة. وقامت بسببه فتنة بين السلطان المذكور ووزيره عبد الرحمن بن يعقوب الوطاسي حيث أن أبا الحسن كان قد أقام حد الشرب على أحد سفراء ابن الأحمر، فاهتاج هذا السفير،