للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعرفة والفقه، أديباً شاعراً مجيداً، غلب عليه الأدب حتى عرف به وشهر، مع جودة الخط وبراعة الأدوات.

وولي قضاء تلمسان وفاس وإشبيلية، وكان في غاية الظرف، إذا أقبل شمت رائحة الطيب منه على بعد وكان منزله كأنه الجنة، مما جعل أعداءه ينالون منه عند السلطان، ويقولون أنه غير حافظ للناموس الشرعي، بكثرة تغزله واشتهار مقطعاته وانهماكه في العشق، فنقل بسبب ذلك من قضاء فاس إلى قضاء إشبيلية، ولم ينله أدني مكروه لنعلم بديانته وعفشته. وله في المنصور أمداح رائعة، وله موشحات مشهورة، كان يغني بها في الأقطار، كما يقول ابن سعيد المغربي، وشعره كله بديع، ينم عن رقة طبع وسلامة ذوق، وإغراق في الحضارة والمناع. توفي سنة ٦٠٤ إشبيلية.

[أبو العباس الجراوي]

هو أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي من أهل تادلاً، وسكن مدينة مراكش، الشاعر الخنذ يد الهجاء المقذع، من أبرز الشخصيات الأدبية في دولة الموحدين. خدم بشعره الخليفة عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب المنصور، وكان له مع يوسف بالخصوص شأن غير شأنه مع الآخرين؛ فكان يعد شاعر دولته الخاص، وكان لا يبرح مجلسه، ووقعت له معه نوادر غريبة، تدل على رفع مكانته منه، قال ابن خلكان: «وكان هذا الأديب نهاية في حفظ الأشعار القديمة والمحدثة، وتقدم في هذا الشأن، وجالس به عبد المؤمن، ثم ولده يوسف، ثم ولده يعقوب. . . وكانت له نوادر نادرة مستظرفة عند أهل الأدب.» وكان بذي اللسان فاحش الهجاء، هجا قومه وبلده، وكثير من الناس فهو حطيئة عصره غير مدافع، ثم قال ابن خلكان: «وجمع كتاباً يحتوي على فنون الشعر على وضع الحماسة لأبي تمام الطائي وسماه (صفوة الأدب وديوان العرب) وهو كثير الوجود بأيدي الناس، وهو عند أهل المغرب الحماسة عند أهل المشرق. . . وله كل شعر مليح، وكان شيخاً مسناً جاوز الثمانين سنة، وتوفي في آخر أيام يعقوب المنصور، بل بعده سنة ٦٠٩ بإشبيلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>