للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحركة العلمية]

فترت الحركة العالمية في المغرب بعد وفاة المنصور الذهبي فتوراً كبيراً، لا سيما عندما أراد السلطان المأمون بن المنصور الملقب بالشيخ من العلماء أن يوافقوا على احتلال العدو لمدينة العرائش فلم يرتضوا ذلك، وخرج الكثير منهم فارين بدينهم إلى البوادي؛ فكان لذلك من التأثير السيء على الأوساط العلمية في المدن المغربية وخصوصاً فاس ما لا يخفى.

ولكن من الألطاف الخفية أن ظهرت الزاوية الدلائية في ذلك الحين، وكأنما بعثها الله لحفظ تراث العلوم والآداب الذي كاد أن يضيع، فقامت عليه خير قيام. وما هي إلا مدة قليلة حتى صارت مركزاً مهماً لنشر الثقافة العربية بين قبائل المغرب، ومأرزاً حصيناً للعلوم الإسلامية بالبلاد، وقد تخرج فيها عدد لا يحصى من العلماء الفطاحل، والأدباء الأماثل، يكفي أن نذكر منهم علامة المغرب في هذا العصر أبا علي اليوسي. والواقع أنه لو لم يقض عليها مولاي رشيد ذلك القضاء المبرم لكان للمعارف اليوم بالمغرب، وخصوصاً القبائل، شأن غير هذا الشأن. ولكن ما يشفع لمولاي رشيد هو أنه بعد تخريب الزاوية، نقل أهل العلم من رجالها مكرمين إلى فاس، حيث عكفوا على التعليم والتذكير من غير خوف ولا نكير. وكان كثيراً ما يتعهدهم ببره وألطافه، بل إن منهم من كان من جلسائه وخواص أهل حضرته وهو العلامة أبو عبدالله المرابط من أفاضل أهل بيته في النحو واللغة.

ولا مفهوم لهؤلاء، فإن ذلك كان شأنه مع أهل العلم قاطبة، وفيما يحدثنا المؤرخون أن مجلسه كان لا يخلو منهم ومن رجال الدين وأهل الخير والصلاح، وهو لا يزال يسني لهم العطيات ويغدق عليهم الصلات.

ومن مآثره العلمية الباقية بفاس مدرسة الشراطين المحكمة البناء الجميلة الشكل الأنيقة الوضع، وقد أسسها لدراسة العلم وسكنى طلابه، وجعلها ثلاث طبقات تشتمل على مائتي بيت واثنين وثلاثين بيتاً وقبة للصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>