للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الذي أحدث نزاهة الطلبة الربيعية التي يقيمونها سنوياً على ضفاف وادي الجواهر بمدينة فاس ويثلون فيها أدواراً هزلية ترويحاً للنفس من عناء لدرس، وتشارك فيها السلطة ويحضرها الأهالي وتدوم مدة أسبوع وربما حضرها السلطان نفسه اعتناء بأمر الطلبة. وكانت همة المولى إسمعيل مصروفة في الغالب إلى تقوية الدولة والتشييد والعمارة والبناء، ولكن ولده وولي عهده كان - المولى محمد العالم أقام سوقاً نافقة للعلم والأدب، وجمع عليه من أهل الفضل والنباهة كل عالم نحرير وأديب شهير، وفي أيام خلافته عن والده بإقليم سوس، قصدته الوفود من تلك النواحي النائية الضاربة في جنوب المغرب وصحرائه ولا سيما إقليم شنجيط، وكان هذا الإقليم يتمخض عن حركة أدبية قوية، فمدحه شعراؤه بما طال العهد مثله من الشعر الفحل، واطلع الناس بسبب ذلك على ما كان بجنوب المغرب من نهضة علمية مباركة، وخاصة في علوم اللغة والآداب. وفي الحقيقة أن مولاي محمد العالم كان شخصية أدبية فذة، وله آثار شعرية ونثرية فريدة، ولولا خلافه على أبيه الذي أودى بحياته لكان أسدى إلى المغرب أيادي بيضاء من حيث البعث والتجديد في ميدان المعارف والفنون.

وعلى هذا السنن جرى المولى محمد بن عبد الله الذي كان دائم الاستصلاح للحالة العلمية والاستنهاض لهمم العلماء، كي يجاروا الزمن في تطوره، ويلبسوا لحاله لبوسها؛ بل كان قد مضى إلى أبعد من هذه الغاية فأراد أن يمثل دور يعقوب المنصور الموحدي في القضاء على علم الفروع، وعلم الكلام معاً، والعناية بنشر كتب السنة وتعويضها من كتب الفقه.

وبالفعل فقد بعث بأوامره في هذا الصدد إلى كافة علماء المغرب، وألزمهم باتباعها والتدقيق في تنفيذها، إلا أنه لم يشتط في ذلك اشتطاط يعقوب المنصور فلم يحرق الكتب التي أمر بنبذها، ولم يحرم النظر في كتب الخلاف عموماً، وإنما أمر بالرجوع إلى الأمهات التي منها الاستمداد؛ وعليها الاعتماد مع عدم الاقتصار عليها والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله اللذين هما المرجع الأول والأخير لأحكام الشريعة.

وألف بنفسه عدة كتب زاوج فيها بين الأصول والفروع والنصوص الفقهية والحديثية، منها كتاب مسانيد الأئمة والفتوحات الإلهية، وذلك لينهج للعلماء

<<  <  ج: ص:  >  >>