المغرب كابن المعتز في ملوك المشرق كما تقدم، وقد كان كلفاً مثله بالبديع من جناس وتورية وتفريع؛ وفيا ثبت من آثاره بقسم المنتخبات دلائل ناطقة بطول باعه وقوة عارضته. ومثله ولده زيدان وابنا أخويه محمد المتوكل بن عبد الله الغالب، والأمير محمد بن عبد القادر بن محمد الشيخ المهدي في البراعة الأدبية ونظم الشعر البليغ، وسنورد لكل منهم بعض الآثار في محلها، وإذا كان لنا أن نستخلص من هذا الواقع التاريخي بعض الحقائق فهي أن الحياة الأدبية تتأثر بالحياة السياسية إلى أبعد حد؛ ذلك أنه لما تدهورت سياسة البلاد في آخر عمر المرينيين وعلى عهد الوطاسيين كان الأدب يعاني حالة من الركود كاد لا يبقى له معها وجود، ثم لما أذن الله بانبعاث القوات الشعبية وزحفها لتدارك الحالة تحت قيادة الأشراف السعديين دبت الحياة في النفوس، وانتعشت الأحوال فهب الأدب من مرقده، وكان تشجيع رجال الدولة لأهله معيناً على نموه وازدهاره.
وقد أعطيناك هذه الصورة المصغرة عن الحياة الأدبية في هذا العصر، ولعلك تتشوف إلى تراجم بعض الأدباء سالفي الذكر، فدونك ما يقتضيه المقام، من ذلك.
[عبدالعزيز الفشتالي]
هو الوزير صاحب القلم الأعلى، أبو فارس عبد العزيز بن محمد الفشتالي الفاسي، ولد سنة ٩٥٢ ودرس بفاس على العلامة المنجور، وأبي العباس الزموري والقاضي الحميدي وعبد الواحد الشريف وغيرهم، وبرع في فنون الأدب والتاريخ والسياسة؛ فعلت رتبته عند المنصور وزهت به دولته، حتى قال المنصور عنه كلمته السابقة وقال صاحب سلافة العصر في حقه: «كاتب المنصور، وربيب تلك الدولة المشيدة القصور، وخادم سناها الممدود والمقصور. المعترف لسان البراعة عن حصر مناقبه بالقصور. فاضل زهت به الأقلام والأعلام، وأقرت بفضله العلماء الأعلام وخضعت لأدبه سماسرة الكلام. وأضاءت بأنوار بلاغته حنادس الظلام. فهو إذا نثر أفحم الورقاء ذات السجع، وإذا نظم أخجلت أفكاره دراري السماء ذات الرجع؛ فجاء بما شاء وكيفما شاء، من محاسن الأشعار والإنشاء. الخ، أما