أما غير هؤلاء فهم ممن يمثلون المدرسة الأندلسية في رقة الشعر وسلاسته وانطباعه، وناهيك بأبي الحسن الشامي والقاضي الشاطبي والوزير الشيظمي من ثالوث شعري جميل.
وهناك طائفة من الشعراء كانت تمزج الجد بالهزل، وتنفخ في الفن روح الفكاهة، مستقلة بهذا المذهب، تجيئ فيه وتذهب، وكان المنصور يعجبه ذلك منها ويثبتها عليه كثيراً، وقد انفرد عصره بهذا اللون من الأدب أو كاد إلا أنه لم يتمكن من القوة والظهور، لأن وفاة المنصور قضت عليه في مهده. ومن أفراد هذه الطائفة ابن عمرو الشاوي ورابح بن عبد الصمد، وأبو إسحاق الزرويلي، ولسنا في حاجة إلى ذكر العلماء والقضاة والرؤساء الذين كانوا يتعاطون الأدب ويطلعون بين آونة وأخرى على الجمهور بنتائج أفكارهم، خصوصاً في الأعياد والمواسم والحفلات العديدة التي كان المنصور يقيمها لغير مناسبة، ولها، فإن هؤلاء أكثر من أن يخصوا. بله الأدباء غير المغاربة ممن أووا إلى حرم المنصور، وتفيئوا ظله من شاسع البلدان، ونازح الأقطار، إذ كان يرفع أقدارهم وينزلهم منازلهم. وفي مقدمة هؤلاء أبو العباس المقري صاحب نفح الطيب.
ولقد انتظم في مجلسه يوماً وفد عمدته ثلاثة أشخاص مكي ومدني ومقدسي؛ فقام المكي وقال يا أمير المؤمنين إن المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال قد شد أهلها إليك الرحلة وأنشد:
إن أمير المؤمنين أحمد ... بحر الندى وفضله لا يجحد
فطيبة ومكة أهلهما ... والمسجد الأقصى بذاك تشهد
ثم قال: نصرك الله إنه لم يتفق مثل هذا الملك قصدت إيالته، وقال المقري وهو راوي الحكاية، فتبسم لذلك أيده الله وأجزل لهم في العطاء وإجراء النفقة عليهم كما هو دأبه بكل وافد عليه من أي بلد كان.
على أن المنصور نفسه حري بأن يعد في شعراء هذا العصر، فهو من ملوك