بسببهم من المحن والأهوال صنوفاً وألواناً، حيث لعبوا دوراً خطيراً في حوادثه السياسية وأثاروا فتناً وحروباً، كان كل من العرب والمغاربة في غنى عنها. غير أن هذه الحال لم تدم؛ فقد شاء الله أن تنجلي، وينجلي معها كل ضير وضرر على مستقبل البلاد.
فبينا الإيمان متذبذب، والشعور الديني آخذ بالضعف لبُعد العهد بالهداة المرشدين الساري اليهم نور النبوة، أمثال عقبة، وموسى. وفيما الأقوال والخلافات المذهبية رائجة، ونزغات الملحدين ووساوس أهل الضلالات متسربة إلى نفوس هذا الشعب الفطري الساذج، إذ أتى إدريس بن عبد الله، فاراً بنفسه من الرشيد الذي اضطهد شيعته الخارجين عليه، وشتتهم شذر مذر. فكان دخول هذا الفرع الزكي إلى المغرب فاتحة عصر جديد، طالما تاقت له النفوس واشرأبت إليه الأعناق.
وما وطيء ثرى البلاد المغربية، حتى وفدت عليه القبائل معلنة بمبايعته، داخلة في طاعته. فبدأ أعماله بتأسيس الدولة الإدريسية سنة ١٧٢ هـ بمعونه إسحق ابن عبد الحميد الأوربي والي مدينة وليلى، وسعي مولاه راشد. وهي أول دولة عربية مستقلة في المغرب. وبعد أن توطد له الملك، جهز الجيوش واستنفر المقاتلة، وخرج غازياً يضرب في بلاد المغرب طولاً وعرضاً، حتى دوخه جميعه، وقضى على حركات الخوارج وسكن فتنهم المندلعة اللهيب؛ فلم تقم لهم بعدها قائمة. ثم تقدم إلى تلمسان ففتحها سنة ١٧٣ هـ ودخلها، فنظر في أحوالها. وبنى بها مسجداً. ثم عاد إلى وليلى، وقد استقام له أمر المغرب، وتم له اقتطاعه من جسم الخلافة العباسية، وإزالة كل سلطة دينية أو سياسية، كانت لها عليه. وكان هذا هو ثالث الفتوح الإسلامية المهمة.
[كيف انتشر الإسلام في المغرب]
هكذا كان تطور الحركة الإسلامية وسيرها بالمغرب مدة قرن كامل. وهكذا كان حرص ولاة العرب شديداً على إشادة معالم الإسلام بهذا القطر، وتثبيت أركانه وإقامة دعائمه. حتى ارتكز فيه ارتكازاً قوياً، وتمكن من نفوس سكانه أيما تمكن.