وما شرف الأوطان إلا رجالها ... وإلا فلا فضل لترب على ترب
ومنها كتاب التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة، جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحديد المسائل، وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك وهو المشتهر بالمدارك. وغير ذلك مما نشير إليه بعد.
وله رسائل أدبية وديوان خطب ومقاطيع شعرية سنلم بها في المنتخبات.
وكان أبو الفضل بمنزلة من الجد في تعظيم الشريعة والذب عن حرمها، بحيث أن الفتح بن خاقان الكاتب المشهور صاحب قلائد العقيان، دخل عليه يوماً وهو بحكمته؛ فاشتم منه رائحة الحمر ورأى عليه آثار نشوتها، فغضب عليه وجرده من ثيابه وحده الحد الشرعي ولم تأخذه في الله لومة لائم. وخرج الفتح من غده ثائراً حنقاً وهم أن يحذف ذكره من قلائده؛ فقيل له أن ذلك يكون أدعى لاشتهار القضية وظهورها فعدل عن ذلك. ولكن القاضي الأديب بعد أن خرج الفتح من عنده أتبعه بصلة سنية إبقاء على وده واسترضاء لخاطره وضرباً للمثل في أن التمسك بقواعد الإسلام وحفظ حدوده لا ينافي الأريحية الأدبية ولا يذهب بظرف الأديب ورقة حاشيته. رحمه الله.
[عيسى الملجوم]
أبو موسى عيسى بن يوسف بن عيسى بن علي الأزدي، عرف بابن الملجوم، لقب جرى على أحد أجداده في شبيبته لحبسة كانت في لسانه. وبنو الملجوم من بيوتات المجد القديمة بفاس، وقد رفع ابن القاضي في الجذوة نسبهم إلى المهلب بن أبي صفرة. ونبغ منهم عدة أفراد في الفقه والحديث والأدب، ورأسوا بالعلم وتولوا القضاء وأدركوا شرفاً كبيراً. وكان عيسى هذا عارفاً بالفقه ذاكراً للمسائل، متقدماً في علم الفرائض، محدثاً حافظاً راوية. سمع ببلده من أبيه قاضي الجماعة أبي الحجاج، وأبي الفضل ابن النحوي وأبي الحجاج الكلبي الضرير؛ وبأغمات