لم تكن عناية الدولة الشريفة بنهضة الأدب ورقيته، بأقل من عناية غيرها من الدول السابقة الذكر؛ فقد بذل رجالها جهوداً تذكر فتشكر في سبيل تقدمه وتنشيط أهله حتى قامت الحركة الأدبية على قدم وساق، ونفقت سوقها أشد النفاق، فلو أننا نظرنا إلى أول ملك مهد البلاد وأخضع العباد وهو مولاي رشيد لوجدناه قد أجاز بألفين وخمسمائة دينار على بيتين من الشعر مدح بهما وهما:
فاض بحر النوال في كل قطر. . . من ندى راحتيك عذباً فراتاً
غرق الناس فيه فالتمس الفقر. . . خلاصاً فلم يجده فماتا
وكذلك المولى محمد بن عبد الله أجاز ابن الونان لما مدحه بقافيته المشهورة بألف دينار، ومولاي سليمان كان كثير العطاء، عظيم السخاء، ولا تسل عما وصل منه إلى شاعره ومخلد مآثره الشيخ أبي الفيض حمدون ابن الحاج من الهبات والصلات.
وبفضل هذا التشجيع نبغ كثير من الأدباء كتّاباً وشعراء من ازدان بهم هذا العصر، وكانوا مفخرة هذا القطر، وقد يأتي في الرعيل الأول منهم الوزير اليحمدي وعلي مصباح وابن زاكور وابن الطيب العلمي صاحب الأنيس المطرب، وابن الونان ومحمد بن الطيب سكيرج والطيب بن صالح الرزيني والوزير ابن إدريس العمراوي والكنسوس بله غيرهم ممن لم يصلوا إلى مرتبتهم، فإنهم كثير لا يسعنا ذكرهم في هذه الكلمة الوجيزة، وإن كنا سنذكرهم مع بعض مآثرهم في الجزء الثاني والثالث.
وهؤلاء المذكورون هم ممن عرفوا بالقدرة على التعبير والتفنن في أساليب