رحمه الله كله من هذا القبيل، ويكفيك أنه بمثل هذه الدروس الجامعة تخرج عليه الشيخ أبو الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية المنتشرة في العالم الإسلامي، فهو أحد أقطاب التصوف الذين عليهم المدار. توفي رحمه الله شهيداً حوالي ٦٢٥ قتله بجبل العلم قوم بعثهم لقتله ابن أبي الطواجين الكتامي الساحر المتنبي. فدفن بقية الجبل المذكور.
[أبو موسى الجزولي]
عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت بن عيسى بن يوماريلي اليزدكتي الجزولي المراكشي. كان إماماً في النحو، كثير الاطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه، وصنف فيه المقدمة التي سماها بالقانون فأتي فيها بالعجب العجاب. وهي في غاية الإيجاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو، ولم يسبق إلى مثلها، واعتني بها جماعة من الفضلاء فشرحوها، ومنهم من وضع لها أمثلة. ومع هذا كله فلا تفهم حقيقتها، وأكثر النحاة ممن لم يكن أخذوها عن موفق يعترفون بقصور أفهامهم عن إدراك مراده منها. فإنها كلها رموز وإشارات، هذا ما يقوله ابن خلكان عنها، قال: ولقد سمعت من بعض أئمة العربية المشار إليه في وقته: «أنا ما أعرف هذه المقدمة وما يلزم من كوني ما أعرفها أن لا أعرف النحو». وفي هذا الكلام مبالغة لعل الحامل عليها هو هذه الصياغة المنطقية التي صيغت بها المقدمة من الحدود والتعاريف والقضايا الكلية التي تنطبق على الأحكام الجزئية مع خلوها من الأمثلة والشواهد التي توضح المعنى المراد، فجاءت بذلك مركزة تركيزاً يجمع زبدة النحو ومهماته في ألفاظ قليلة، ومن ثم قال فيها مجد الدين بن ظهير الإربلي منوهاً بهذه الظاهرة التي كانت سبب التحامل عليها من هؤلاء:
مقدمة في النحو ذات نتيجة ... تناهت فأغتت عن مقدمة أخرى
حبانا بها بحر من العلم زاخر ... ولا عجب البحر أن يقذف الدرا