بحر فارس، ودخل الأناضول وجال فيها وقدم بلاد القرم وساح في جنوبي روسيا ودخل إلى بلاد البلغار والقسطنطينية. ثم جال في البلاد الواقعة شرقي بحر الخزر ودخل خوارزم وبخارى وخراسان وقندهار ووادي السند وأقام بدهلي حاضرة الهند ونُصب على القضاء فيها. ثم ساح في الأقطار الصينية والتترية ودخل سيلان وسومطرة وجاوه وباكين قاعدة الصين وابتلي هناك بالأسر وتملص بعد خطب طويل، فانقلب راجعاً إلى المغرب. وكان قد بارح بلاده منذ ٣٤ عاماً. وما لبث أن وصل إلى طنجة حتى عاد إلى الرحلة فدخل إسبانيا وتطوف فيها. ثم عاد وقصد السلطان أبا عنان المريني بفاس فحظي عنده وأفاض عليه من عطائه ما أنساه تجشم الأسفار واقتحام الأخطار. وذهب رسولاً منه إلى بلاد السودان، ثم عاد إلى فاس وبها ألقى عصا التسيار وألف رحلته (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) ومات سنة ٧٧٧ أو ٧٩ هـ.
[ابن البناء العددي]
أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي، العلامة الفلكي والحاسب المشهور، كان أبوه بناء وطلب هو العلم فبلغ فيه الغاية القصوى. ولد بمراكش سنة ٦٥٤ وطلب العلم بها ثم بفاس فأتقن العربية وآدابها، وحصل علوم الشريعة وبرع في العلوم الفلسفية ولا سيما الرياضية، فكان لا يدرك شأوه فيها ولا يبلغ مداه. وعلى الأخص الهيئة والعدد منها فإن إليه انتهى عنهما بالمغرب، وعنده اجتمع ما تفرق منها بأيدي قدماء الرياضيين من إسلاميين وغيرهم، ولا يعرف فيمن أتي بعده من تحقق تحققه بمعرفة أسرار الفلك وحركات النجوم، وبالعدد والفم والتفريق فيه، وإنما غاية العلماء بعده في ذلك تفهم كتبه وتناولها بالشرح والتفسير، مثلما فعل ابن هيدور وغيره، فإنه شرح تلخيص ابن البناء الحسابي ورفع الحجاب له أيضاً.
وتلخيص ابن البناء هذا هو الذي قال عنه ابن خلدون أثناء الكلام على الحساب من العلوم العددية «أنه ضابط لقوانين أعماله مفيد» ورفع الحجاب قال عنه: «هو كتاب جليل القدر أدركنا المشيخة تعظمه وهو جدير بذلك». ولابن البناء كتب كثيرة نأتي على ذكرها بعد هذا. وكانت وفاته ببلده سنة ٧٢١.