للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطبة وعظية للعربي الزرهوني

على حسب أطوار الإنسان وسنيه

عباد الله! إن الله تبارك وتعلى، كتب علينا الانتقال من هذه الدار، وأمرنا بالنظر فيها والاعتبار، والتزود منها لدار القرار، وخالف بمقتضى حكمته بين مقادير الأعمار، فمن معجل تخترمه المنية في ريعان شبابه، وعنوان عمره ولبابه، ومن موجل ينسأ له في أجله، حتى يستوفي ما كتب له من رزقه وعمله، فالعبد لا يدري متى يأتيه حمامه، وتنقضي بوفاته أيامه، فما أحقه وأولاده أن يعمر أوقاته بطاعة مولاه، الذي خلقه وسواه، ليكون يوم لقياه من الفائزين. فيا من بلغ سن الاحتلام، وحطت عنه الأقلام، وتعبد بشرائع الإسلام، خذ نفسك بالاجتهاد في الطاعة، ولا تطلب الربح بغير بضاعة، ولا تفتتح عمرك بالتفريط والإضاعة، فتكون من الجاهلين. ويا من بلغ العشرين، لا تطمئن إلى ما بقي من السنين، ولا تغترر برونق شبابك، فإنك لا تدري متى يقف المنون بيابك، وتفرد من بين أصحابك وأحبابك، ويذهب بك في الذاهبين. ويا من بلغ الثلاثين راجع نفسك عن هواها، فقد كمل شبابها واستحكمت قواها، فأنفق جديد عمرك في الطاعة ولا تركن إلى سواها، وهب أنه قد بقي من عمرك مثل ما مضى، فهل تجد لما فرطت فيه من صالح العمل عوضاً؟ ففكر في أمر نفسك وكن لها من الناصحين. ويا من بلغ الأربعين ذهب عنك معظم الأيام، وشرعت في النقصان بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>