المواز، وحدث به بالقيروان، سمعه منه أبو محمد بن أبي زيد وأبو الحسن القابسي وغيرهما. ودخل أيضاً الأندلس مجاهداً وتردد بها في الثغر؛ فسمع منه أبو الفرج عبدوس بن خلف، وخلف بن أبي جعفر وغير واحد. . . وهو من أدخل مذهب مالك إلى المغرب، وكان الغالب على أهله مذهب الكوفيين. وكان رحمه الله فقيهاً محدثاً حافظاً، من أهل الفضل والدين. ولما وصل إلى القيروان أطلع الناس من حفظه على أمر عظيم، حتى كان يقال ليس في وقته احفظ منه. وكان نزوله بها عند ابن أبي زيد. وله بفاس مسجد يعرف به بحي مصمودة، ويقال إن قبلته أقوم قبلة بفاس، وبه كان يدرس الفقه بعد رجوعه من المشرق. توفي ببلده سنة? ٥? هـ ودفن مخارج باب الفتوح منها، حيث بنيت عليه قبة جميلة. ويحكى أن أبا محمد بن أبي زيد القيرواني قدم فاساً لزيارته، فوجده قد توفي في ذلك اليوم فحضر جنازته وأقام بقبره ثلاثة أيام. وكان ذلك سبب زيارة القبور بفاس عدد تلك الأيام إلى الآن. ولما أراد الرحيل إلى بلده أنشد:
قف بالمقابر للتوديع يا حاد ... فإن في جوفها قلبي وأكبادي
[أبو جبيده]
هو أبو جبيدة بن أحمد اليزنسني من أهل فاس، ومن كبار أهل العلم والفقه والصلاح بها. له رحلة إلى المشرق، لما رجع منها خرج أهل فاس كلهم للقائه، الرجال والنساء، فكان هؤلاء في ناحية وأولئك في ناحية، وذلك كله فرحاً به وإجلالاً له. واشتهر بفتواه في حكم أرض المغرب، التي أنقذ بها البلاد والعباد من سطوة الجبابرة. وذلك أن عامل المنصور بن أبي عامر لما تغلب على فاس قال لهم: أخبروني عن أرضكم أصلح هي أم عنوة؟ فقالوا لا جواب عندنا حتى يأتي الفقيه، يعنون أبا جيدة. . . وكان يعمل في بستان له خارج المدينة. فلما جاء سأله، فقال: ليست بصلح ولا عنوة، وإنما أسلم عليها أهلها فبقيت لهم. فقال العامل: خلصكم الفقه. وهذه الفتوى هي مضمون كلمة الرئيس الأميركي منرو «أمريكا للأميركيين» فقد سبقه إليها أبو جيدة بعدة قرون. . .