دولة بحرية قوية ذات أسطول عظيم يضمن لها السيادة المطلقة على غرب البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، بحيث لم تكتف بحماية الشاطئ الإفريقي بل منعت تدفق القوات الصليبية القادمة من الغرب على سواحل الشام، هذا إلى ما جنته البلاد من ثمار الدعوة الموحدية، إذ كانت دعوة إصلاحية تقدمية، في الميدان الثقافي والديني مما نتناوله بالبحث في الفصول الآتية.
[الدولة والثقافة العربية]
ما هز عطفيه بين البيض والأسل مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي بهذا المطلع المطرب وحده، وهذا البيت البليغ المفرد، مدح محمد بن أبي العباس المعاني عبد المؤمن بن علي الذي استعاده منه واستعاده، وأمره بأن يقتصر عليه، وأجازه فيا يقول العياد الإصبهاني في كتاب الخريدة بألف دينار قائلاً له: لقد قلت في هذا كل شيء.
نعم، لقد قال فيه كل شيء. أليس قد مدحه بالشجاعة والتفوق فيها، حتى نفي عن غيره أن يكون هازاً عطفيه مثله، في الوغى المرتفعة بين السيوف اللامعة؟ وانظر أنت إلى رشاقة هذا التعبير وما فيه من الحسن والجمال، أليس يدعو إلى الإعجاب بحسن خلق عبد المؤمن قبل الإعجاب بحسن خلقه وبرشاقة قده واعتدال مشيته قبل شجاعة قلبه وثبات جأشه؟ وفوق هذا وذاك أليس قد دعاه بالخليفة؟ وهذه هي الأمنية الحلوة التي طالما تمناها ملوك الإسلام وحلموا بها في منامهم، حتى المضروب على أيديهم منهم، فيعدون الشرف الصميم والفخر العظيم والغاية التي لا قبلها ولا بعدها أن ينعتوا بالخليفة، فيكونوا ظل الله في أرضه ووارثي سر النبوة وواضعي أيديهم على رقاب ملايين البشر. لذلك فعبد المؤمن الناقد البصير يحق له أن يشير على السمعاني بالاقتصار من القصيدة على مطلعها هذا لأنه كما قال قد جمع كل شيء يمكن أن يقوله شاعر في ملك ذي صولة وبأس مثل عبد المؤمن. وهو من جهة