واستولت على ثغر المهدية أعظم حصن في هذا الشاطئ. فلولا قيام الدولة الموحدية التي استطاعت أن توحد الصفوف وتجمع الكلمة وتكون من أقطار إفريقية الشمالية هذه القوة العتيدة التي حاربت في آن واحد في كلتا الجبهتين الأندلسية والإفريقية لعصفت القوات النصرانية ببعض تلك البلاد أو بها جميعاً في ذلك الحين.
وقد ظهر من سباق الأحداث التي قارنت قيام هذه الدولة أن ملوك الموحدين قطعوا تلك الصلة التي تقر بتبعية المملكة المغربية لدولة الخلافة العباسية كما كان عليه الأمر في دولة المرابطين. ومن ثم فإنهم لم يحجموا عن اتخاذ لقب أمير المؤمنين وانتحال وصف الخليفة نفسه، ولعل ما شجعهم على ذلك هو حكمهم للأندلس وإفريقية الشمالية جميعاً، وكان بنو أمية بمجرد توطد ملكهم في الأندلس قد ادعوا الخلافة وتلقبوا بأمير المؤمنين، فضلاً عن ضعف أمر الخلافة العباسية في هذا العهد، ولا سيما وقد مات العاضد لدين الله آخر خلفاء الفاطميين الذين كان قيامهم من المغرب، فأقام صلاح الدين الأيوبي منافس يعقوب المنصور دعوة بني العباس في مصر، وقبله في سنة ٥٤٩ أي عند استتباب الأمر العبد المؤمن، كان الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله كتب عهداً لنور الدين محمود ابن زنكي مخدوم صلاح الدين وولاه مصر وأمره بالمسير إليها. وكان قد تملك دمشق في ذلك العام، فلم يمنعه من قصد مصر إلا شغله بجرب الفرنج (١). والمقصود أن هذه العوامل مجتمعة كانت تشجع ملوك الموحدين على الاتصاف بالخلفاء وأمراء المؤمنين مع ما أعلم من انتسابهم في قيس عيلان بن مضر، وكون دعوتهم كما أرادها المهدي أول مرة تستهدف إصلاح أحوال المسلمين عامة، بدليل قيامه بالنكير للأوضاع الفاسدة في مصر بل حتى في مكة على ما يروي في ترجمته، فما بالهم لا يرون أنفسهم أحق بها وأهلها؟ . .
وإذا كان هذا من أهم الفوارق بين دولة الموحدين ودولة المرابطين التي لم تنقد في حبل الادعاء قط، فإن السيطرة التامة على كامل التراب المغربي من بلاد نول إلى أرض برقة هو ما تميزت به الدولة الموحدية في الميدان الحربي وجعلها في الوقت نفسه