منزلته في الكتابة فإنه طبقة عصره غير مدافع، وأما في الشعر فإنه متين السبك محكم الرصف، ناصع الألفاظ حسن التصرف في جميع فنون الشعر، لا سيما الوصف الذي أجاده وتقدم فيه بشاهد قصائده العديدة التي قالها في قصر البديع الذي بناه المنصور بمراكش فنقشت على جدرانه وسقوفه، وطرزت بها فرشه وأروقته ما يأتي طرف منه في قسم المنظوم، وله تصانيف منها مناهل الصفا في تاريخ دولة الشرفاء، أي السعديين، مشتمل على تاريخ هذه الدولة منذ نشأتها إلى وقته، وعلى نبذة من محاسن المنصور في عدة مجلدات. ومنها مدد الجيش، ذيل به جيش التوشيح لابن الخطيب، قال في النفح:(استهله بقوله والحمد لله الذي أمد جيش محمد بعثرته») وأتى فيه بكثير من موشحات أهل العصر من المغاربة وضمنه من كلام أمير المؤمنين المنصور ما زاده حسناً ورونقاً، ومنها مقدمة في ترتيب ديوان المتنبي على حروف المعجم، ومنها شرح مقصورة المكودي، وبالجملة فهو من مفاخر هذه الدولة كما قال المنصور عنه، وكانت وفاته سنة ١٠٣٢.
[النابغة الهوزالي]
أبو عبدالله محمد بن علي الهوزالي شاعر الدولة الرسمي، كان شديد الاتصال بالمنصور والقرب منه يقوم عنده في الاحتفالات الرسمية والمواسم والأعياد ينشده ويعجب هو بشعره كثيراً، ويصله ويخلع علمه.
وكان قوي المراس على المعاني الشعرية فخم الألفاظ نابه المعاني، جيد النظم رائع الأسلوب، متضلعاً من اللغة والأدب، بصيراً بمواقع الكلم، متصرفاً في ضروب المدح أحسن التصرف، ووصفه الشيخ عبد الواحد الشريف فقال: «الفقيه المتفنن ذو الفهم القويم والإدراك المستقيم، قائد العويصات بنواصيها ومستنزل عصم القوافي من صياصيها، شعلة الذكاء الذي يزري سناه بنور ذكاء، وقد علمت أنه كان يلقب بالنابغة ولا ندري ما إذا كان مرادهم بذلك الوصف أو التشبيه، وله شرح على ديوان المتنبي، وكان يلي قضاء المدينة المحمدية أعني تارودانت. وتوفي بمراكش في شعبان سنة ١٠١٢.