الشام والعراق وخراسان وما والاها، وأكثر من السماع وأخذ عنه الناس كذلك. ومرت في طريقه إلى خراسان بمدينة إربل؛ فوجد ملكها مظفر الدين التركماني مولعاً بعمل المولد النبوي فألف له كتاب «التنوير في مولد السراج المنير». واستقر هو وأخوه بمصر، وكان لصاحبها الملك الكامل بن أيوب عناية كبيرة بها، وبنى لأبي الخطاب دار الحديث الكاملية بالقاهرة ثم سلمها لأخيه أبي عمرو، وكانا يميلان إلى النظر والاجتهاد وربما نسباً إلى الظاهرية، ولأبي الخطاب تآليف مفيدة مضت الإشارة إلى بعضها ويأتي ذكرها جميعاً في نهاية هذا الفصل، وتوفي أبو الخطاب في سنة ٦٣٣ وأخوه أبو عمر وبعده بسنة.
[عبد الواحد المراكشي]
هو عبد الواحد بن علي التميمي، مؤرخ دولة الموحدين. ولد بمراكش سنة ٥٨١ وأخذ بفاس والأندلس عن جماعة من العلماء، وعني بالأدب واللغة فكان طوداً راسخاً في فنونها. وله قلم بارع في الإنشاء، وطبع سائل في الشعر، وكان حلو النادرة، عذب الفكاهة، لطيف المحضر، رقيق الحاشية. خدم الأمير إبراهيم بن يعقوب المنصور أيام ولايته على إشبيلية فنال عنده حظوة كبيرة، وامتدحه بقصائد فذة كان يجزل له عليها العطايا والهبات.
ثم سافر إلى مصر سنة ٦١٣ وفيها ألف كتابه المعجب في تلخيص أخبار المغرب جمع فيه بين تاريخ الأندلس والمغرب السياسي والأدبي من لدن فتح الأندلس إلى سنة ٦٢١ أي إلى مدة خلافة يوسف بن محمد الناصر الموحدي، يستعرض أهم حوادث السياسة وأحسن صور الحضارة في كل عصر، ثم لا يلبث أن يسرقه طبعه، فيستطرد مواضع أدبية لها قيمتها في معرفة الحياة الفكرية في ذلك العصر، وذلك كله بأسلوب رصين متزن، لا تشوبه ركاكة ولا تشويش، مع تحري الصدق وتوخي الإنصاف كما قال: «ولم أثبت في هذه الأوراق المحتوية على دولة المصامدة وغيرها إلا ما حققته نقلاً من كتاب، أو سماعاً من ثقة عدل، أو مشاهدة بنفسي؛ هذا بعد أن تحريت الصدق وتوخيت الإنصاف في ذلك كله، وجهدت ألا انقص