القطرين محرراً من القيود التي كانت تجعله يثور لاقل بادرة من الخروج عن دائرة المسلمات والقواعد والرسوم المتعارفة. فشتان بين عهد المرابطين الذي كان فقهاؤه في كل من الأندلس والمغرب يجرمون الإحياء وغيرها من كتب الغزالي ويحكمون بإحراقها؛ وبين هذا العهد الذي ينبغ فيه مثل ابن عربي الحاتمي وينشر كتابه الفتوحات الملكية وغيره فلا يحرك الفقهاء ساكناً في سبيل الإنكار عليه، مع عظم الفرق بين محتويات الإحياء ومحتويات الفتوحات مما لا تقره المذاهب الفقهية بأجمعها وربما (ورب للتكثير)) يتعارض مع جوهر العقيدة الإسلامية في كثير من المسائل.
[علم الكلام]
وكذا الكلام أخذ حظه الكامل من الانتشار فقد كان ابن تومرت يلزم أصحابه بدراسته إلزاماً. وكان الموحدون على العموم يعتبرون من لم يعرف العقائد على سبيل التفصيل وعلى طريقة الأشعري بالأخص يعتبرونه كافراً ليس معه من الإسلام إلا الاسم. ومن ثم سموا أنفسهم بالموحدين ونبزوا المرابطين خصومهم بالمجسمين. وألف المهدي لأصحابه عقائد مختصرة باللسانين العربي والبربري كما سبق القول، فتأثر الناس أخطاه وصنفوا في هذا العلم الكتب العديدة. وكان من أطولهم يداً وأحسنهم عارفة في هذا السبيل عند العامة الشيخ أبو عمرو عثمان بن عبدالله بن عيسى السلالجي. وهو الذي على يده وقع تحول أهل فاس من المذهب السلفي في العقيدة إلى المذهب الأشعري تبعاً للتيار العام الذي اكتسح المغرب بأجمعه في هذا الأمر نتيجة لدعوة ابن تومرت. ولكن قد شيب صفو هذا العلم في أوائل أيام الموحدين مما أضافوه إليه من تعاليم شيعية بدعية جرياً وراء ما كان يذهب إليه داعيتهم المهدي بن تومرت من ذلك المذهب. فقد كان الاعتقاد بالأمام وعصمته شائعاً في ذلك الوقت وكانت الخطب على منابر المغرب والأندلس وإفريقية التي تنيف على ألفي منبر لا بد أن تشتمل على الدعاء «للإمام المعصوم المهدي المعلوم» حتى تقدم يمنع ذلك يعقوب المنصور على ما ألمعنا إليه سابقاً فكانت حسنة من حسناته وكفارة عن جميع ما يؤخذ عليه بشأن العلم والعلماء، وعلى كل حال فإن علم التوحيد أو علم الكلام - كما سمي قديماً - إنما انتشر في هذا العصر، وما كان قبله أنما هو من قبيل المحاولات الأولى. ومثله علم أصول