الفقه، فقد تبوأ من بين العلوم في هذا العصر مكاناً عالياً ووجد من القرائح المغربية مجالاً خصماً لنموه وازدهاره.
وهذا أن العلمان هما مما نقله المغرب عن المشرق مباشرة وقد نبهنا في عصر المرابطين على الطليعة الأولى من رجالهما الذين أدخلوهما إلى المغرب. ثم جاء المهدي بن تومرت وقد أخذهما عن أئمتهما الراسخين من أهل المشرق فبثهما وحفز الهمم تطلبهما وكان انتشارهما سبباً في تقريب شقة الخلاف ما بين الفقهاء والمتكلمين والمتصوفة، لم يحملان عليه من النظر في الأدلة وعدم المسارعة إلى الإنكار قبل معرفة مدرك الخصم، وبذلك زال النزاع الشديد الذي كان قائماً بين هذه الطوائف من العلماء. والذي كان يبعث بعض الفقهاء من أهل هذا العصر على أن يقول مثل هذه المقالة المنقولة من كتاب الحلال والحرام لراشد الفاسي. قال فيه:«سمعت من أبي محمد عبدالله بن موسى الفشتالي أن التائب إذا اقتصر على ما عند علماء الشريعة أولى وأسلم له، بل لا يجوز اليوم اتخاذ شيخ السلوك طريق المتصوفة أصلاً، لانهم يخوضون في فروعها ويهملون شروط صحتها، وهو باب التوبة، إذ لا يصح بناء فرع قبل تأسيس أصله. وسمعته يقول: لو وجدت تأليف القشيري لجمعها والقيتها في البحر. قال وكذلك كتب الغزالي. وسمعته يقول: إني لأتمنى على الله أن أكون يوم الحشر مع أبي محمد بن أبي زيد لا مع القشيري والغزالي بل مع أبي محمد يشكر فذلك أكثر أمناً لي على نفسي».
على أن الغريب في الأمر هو أن هذه الكتب التي كانت تعدم وتحرق لا تلبث أن تحيي وتروج أيضاً وهذه الإحياء ألم يحرقها علي بن يوسف؟ فكيف عادت إلى الظهور? إذ لا شك أنها المعنية في كلام الشيخ الفشتالي. وإذا قيل إنه كتب الغزالي قد انتشرت من جديد بسبب قيام دولة الموحدين التي يعتبر مؤسسها خريج المدرسة الغزالية وناشر تعاليمها في المغرب، فكيف يقال في كتب الفقه المالكي التي أحرقها المنصور وقد قيل أن عبد المؤمن نفسه أمر بإحراقها لما استتب له الأمر؟ . . والجواب أنه في هذا العصر كان جل الاعتماد على الحفظ والاستظهار. فبعد حرق هذه الكتب لم يصعب على الناس أن يجدوا من يستظهرها بلفظها وتكتب عنه. وهذا الشيخ أبو محمد عبدالله بن محمد بن عيسى التالي الفاسي الفقيه الحافظ المحصل المتوفي سنة ٦٢٣ يذكر المؤرخون في ترجمته أن المدونة. كتبت من حفظه بعد أن أحرقها الموحدون أي في