نفس الوقت تقريباً. ومما لا شك فيه أن غيره كثيرون من كتبت الكتب الأخرى المحروقة من لفظهم وحفظهم.
والذي نريد أن نسجله هنا هو أن المذهب المالكي لم ينهزم مطلقاً أمام الدعوة إلى الاجتهاد التي كان الموحدون يتزعمونها، ولا أمام المذهب الظاهري الذي نشط نشاطاً كبيراً في هذا العصر. وذلك برغم الحملة المنظمة من رجال الدولة للقضاء عليه. فها أنت ترى كتبه الأمهات يعاد كتبها بفور إحراقها. وسترى في تسمية تأليف فقهاء العصر ما وضع حول هذه الكتب من دراسات وما عميل لها من شروح. وأنا لنعد من فقهاء المذهب المالكي الذين نبغوا في هذا العصر العثرات قبل أن نعد ظاهرياً واحداً أو فقيهاً متحرراً من تميل إلى الاجتهاد. ناهيك بأبي محمد بشكر الجراوي الذي سبق ذكره في كلام الشيخ الفشتالي، فإنه من فقهاء العصر وممن كتب على المدونة، وأبي محمد صالح الفاسي الذي بقي مثلاً مضروباً عند فقهاء المذهب للعدل المبرز، وأبي القاسم الجزيري صاحب المقصد المحمود في تلخيص العقود وهو الكتاب الذي اعتمده الناس في كتابة الوثائق ولم يقدموا عليه غيره، وأبي الحسن المتيوي الفقيه الحافظ صاحب الشرح العظيم على الرسالة بالنقل لأقوال الأئمة الذين تدور عليهم الفتوى. إلى غير هؤلاء من يطول الأمر بتعدادهم. بل أنا لنسجل ما قام به أحد فقهاء المالكية من رد فعل على حركة انتشار المذهب الظاهري ممثل في التهجم على ابن حزم إمام الظاهرية بالأندلس والمغرب، مما أدى إلى عقد مجلس علمي مراكش للنظر في القضية. وهذا الفقيه هو أبو زكريا الزواوي أحد أفراد هذا العصر علماً وصلاحاً. وكان مقيماً ببجاية. وإليك ما كتبه الغبريني عن هذه الواقعة في كتابه عنوان الدراية. قال:
«ولما كان من أمر الفقيه أبي زكريا الزواوي في شأن ابن حزم ما قد اشتهر، وتعصب له ناس ورفعوا القضية للخليفة بمراكش اقتضى نظر الفقيه أبي زكريا رضي الله عنه أن يتوجه عنه الفقيه أبو محمد عبد الكريم الحسني المراكشي. فتوجه وحمل تأليف الفقيه أبي زكرياء ورده على ابن حزم المسمى حجة الأيام وقدوة الأنام. ولما وصل حضرة مراكش استحضره أمير المؤمنين بين يديه بمحضر الفقهاء وعرض تأليف الفقيه عليهم وكان الفقيه. أبو محمد عبد الكريم هو النائب في الحديث فأحسن وأجاد وأطلع أمير المؤمنين ومن حضر من الفقهاء على كلام الفقيه رضي الله عنه مما دلهم على فضله