للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودينه وعلمه، فكان من قول الحليفة «يترك هذا الرجل على اختياره فإن شاء لعن وإن شاء سكت». وانقلب أبو محمد عبد الكريم وهو المبرور، وسعيه المشكور، رضي الله عنه وأرضاه.

وهذه الحادثة إن مثلت المعركة التي كانت قائمة بين المالكية وخصومهم، فإنها تدل على فشل الجهود التي بذلت لصرفهم عن مذهبهم وعلى ازدهار هذا المذهب في حين كان خصومه يعملون على ذبوله.

وعلى كل حال فإن مما لا ريب فيه أن الفقه المالكي قد استفاد من هذه المعركة، غير الانتصار على الخصم، التلقيح بمادة الحياة الأصلية بالنسبة إلى كل المذاهب الإسلامية؛ وهي الرجوع إلى الكتاب والسنة فلم يبق ذلك الفقه الساذج الذي يقارن أقوال أئمة المذهب بعضها ببعض، ويرجعها في النهاية إلى رواية ابن القاسم عن الإمام مالك، بل صار يعتمد على الأدلة وينظر في الخلاف العالي. وبذلك أخذ خير ما في الدعوة المعارضة له وأحرز كيانه.

وكذا وقع في انتشار مذهب الأشعري العقدي بعيداً عما شيب به من تعاليم شيعية غالية على ما كان المهدي يدعو إليه. فإن الإمام الستلالجي الذي تجند لنشر العقيدة الأشعرية كان من أبعد الناس عن تلك الشبه وأكثرهم تمسك بالسنة. فلما أخذ الناس عنه العقيدة المذكورة لم يكن فيها شيء من تلك الشوائب وحمى الله المغرب وأهله من الغلو والانحراف في العقيدة والمذهب.

هذا وقد قلنا إن الموحدين كانوا يدعون إلى الاجتهاد ونحن نعني ما نقول خلافاً ما شاع من أنهم كانوا على مذهب الظاهرية. فإن أحداً من مؤرخيهم لم ينقل ذلك عنهم، وليس يكفي أن يظهر المنصور إعجابه بابن حزم لنحكم بأنه وقومه على (. . .) (١) , كيف والذي ثبت من عمله أنه جمع من كتب السنة أحاديث في العبادات


(١). . .) في النفح أن المنصور مر بأوقية من أرض شلب فوقف على قبر الحافظ أبي محمد بن حزم، وقال: عجباً لهذا الموضع يخرج منه مثل هذا العالم! ثم قال: كل العلماء عيال على ابن حزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>