للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان يمليها على الناس ويجعل لمن حفظها الجمل السني على هامر؟ فالأمر يتعلق بالدعوة إلى العمل بالسنة أكثر من الانتماء إلى مذهب معين. ويقول التاج ابن حمويه السرخسي الذي رحل إلى المغرب في أيام المنصور واتصال به اتصالاً وثيقاً حسبما اثبته المقربي في نفح الطيب عنه: «والذي علمت من حاله أنه كان يجيد حفظ القرآن ويحفظ متون الأحاديث ويتقنها ويتكلم في الفقه كلاماً بليغاً. وكان فقهاء الوقت يرجعون إليه في الفتاوي. وله فتاوي مجموعة حسبما أدى إليه اجتهاده. وكان الفقهاء ينسبونه إلى مذهب الظاهر وقد صنف كتاباً جمع فيه متون أحاديث صحاح تتعلق بالعبادات سماه الترغيب» فليتنبه إلى قول السرخسي (وله فتاوى مجموعة حسبما أدى إليه اجتهاده) وما تفيده هذه العبارة من ميله إلى الاجتهاد. وإلى قوله (وكان الفقهاء ينسبونه إلى مذهب الظاهر) وما تعطيه هذه الجملة من أنهم يتجنون عليه بذلك. وقد رأيت أن الفقيه الزواوي كان يجهر بلعن ابن حزم، وأن أمره عرض على الخليفة بمراكش فأقره على رأيه. وذلك مما يدل على أن الموحدين لم يكونوا ظاهرية وإلا لما قبلوا لغن أمامهم وكبير علماء مذهبهم.

والحجة الكبيرة في أن القوم لم يكونوا على مذهب أهل الظاهر هي مجموعة كتب المهدي بن تومرت هذه التي نشرها المستشرق المجري جولدزهير وتشتمل على كتاب أعز ما يطلب والعقيدة المرشدة وكتاب الطهارة الذي يقال إن المنصور جمع كتاباً في الصلاة على منواله، إلى غير ذلك من تعاليق المهدي وكلها ليس فيه ذكر للظاهرية ولا العلم من أعلامها. . بل إن في تعاليقه الأصولية ما يعارضها وهو أثبات القياس ومدحه مما لا يجنح إليه أهل الظاهر كما هو معلوم. وإذا كان هذا إمام الموحدين ومهدهم الذي أسس دولتهم ومهد مذهبهم لا يرى رأي الظاهرية ولا يبدي نحوها. أدنى ميل فلا شك أن خلفاءه كانوا كذلك. وإنما كان الفقهاء ينسبونهم إليها تشنيعاً عليهم كما يقال اليوم في كل من كان سلفي العقيدة: إنه وهابي، تنكيتاً عليه وتنفيراً من مذهبه) (١). ونظن أن ميل المهدي واتباعه إلى الاجتهاد جاءهم من الشيعة الذين


(١) مما يشهد لما قلناه، هذه الأبيات التي يقولها ابن عربي الحاتمي تبرياً من الظاهرية، وهو أيضاً ممن رمي بها:
نسبوني إلى ابن حزم وإني ... لست من يقول قال ابن حزم
بل ولا غيره فإن كلامي ... قال نص الكتاب ذلك حكمي
أو يقول الرسول أو أجمع ... الخلق على ما أقول ذلك علي

<<  <  ج: ص:  >  >>