قدمنا أن هذا العصر كان هو العصر الذهبي للعلوم الأدبية في المغرب. وعليه فيكون هو أزهى عصور الإنتاج الأدبي فيه، لأن هذا الإنتاج ينبع غالباً تلك العلوم رقياً وانحطاطاً. خصوصاً عندما يكون الاعتماد على الدراسة والتلقين، لا على السليقة والطبع.
وفوق ذلك، فإن الوسط الأدبي في المغرب، لم يبلغ من الرقي في عصر من العصور ما بلغ في هذا العصر، فقد اشترك في تكوينه جميع الطبقات من الملوك فمن دومنهم إلى السوقة. أما الملوك فقد علمت أن أكثر سلاطين بني مرين كانوا من أهل العلم والمعرفة والمشاركة في فنون الأدب، وبالطبع فإن وزراءهم وحجابهم وقوادهم فضلاً عن كتابهم وقضاتهم كانوا كذلك؛ إذ يستحيل أن يقرب بساط الملوك، إذا كانوا ملوكاً بمعنى الكلمة، غير أهل الكفاآت النادرة من أرباب المعارف المتنوعة، وكذلك كنت لا تجد في منصب من مناصب الدولة إلا رجلاً كفوء لا يؤتى من قصور، ولا يعاب من تقصير، حتى ذوو البيوتات الذين كانوا يتوارثون الرياسة في هذا العصر كبني العز في وعبد المهيمن وأبي مدين والمكودي والقبائلي، لم يكونوا على ما عهد في أمثالهم من الاعتداد بالأحساب والاتكال على الأنساب وإنما كانوا كما قيل:
إنا وإن أحسابنا كرمت ... لسنا على الأحساب نتكل
تبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
هؤلاء ممن دون الملوك، ولكنهم فوق السوقة. وأما السوقة فقد أشرنا فيما سبق (. . .) أثرت فيهم نهضة علوم اللسان وما مكنت لهم من تذوق أسرار اللغة ومهم أغراض الأدب، حتى لمن كان منهم في طبقة صاحب حديث «اللظافة» الآني