أخرى خشي أن يدرس البيت ويضيع في تضاعيف القصيدة فإبقاؤه على حاله من الفردية أدعى إلى حفظه وسيره وتخليده في الناس.
وبعد، فهذا مثال واحد من أمثلة تنشيط عبد المؤمن للأدب والأخذ بضبعه وإكرام أهله وإحلالهم منه المحل اللائق بهم، وإدرار الصلات الطائلة عليهم؛ ففي كل رحلة، وفي كل احتفال عيد وغيره، وفي جميع المظاهر العادية وخلافها والمقابلات الرسمية والمواقف العامة، كان يجلس إلى الشعراء، وما أكثرهم في دولته؛ فمن أندلسيين إلى مغاربة إلى أفارقة ومنهم إلى مصري وشامي وعراقي وغيرهم، يحاورهم ويساجلهم فينثرون عليه من عقود مدائحهم كل نفيس غال، فيحسن الاستماع إليهم ويسر من ثنائهم عليه وينتقد هذا ويقرظ ذاك، وفي الأخير تحيز الكل ويفيض عليهم من سيب عطائه ومجر نواله.
وهنا يحسن أن أورد للقارئ ما ذكره صاحب المعجب في وصف احتفاله ببيعة أهل الأندلس له على ظهر «جبل الفتح» كما كان يسمي هو جبل طارق ملخصاً قال: «ونزل الجبل المعروف بجبل طارق وسماه هو جبل الفتح فأقام به أشهراً وابتنى قصوراً عظيمة، والمدينة الباقية إلى اليوم ووفد عليه وجوه أهل الأندلس للبيعة كامل مالقة وغرناطة ورندة وقرطبة وإشبيلية وماو إلى هذه البلاد، وكان يوم عظيم اجتمع فيه من وجوه البلاد ورؤسائها وأعيانها وملوكها من العدوة والأندلس ما لم يجتمع لملك قبله، واستدعى الشعراء وكان على بابه طائفة أكثرهم مجيدون، فكان أول من أنشده أبو عبدالله محمد بن حبوس من أهل فاس قصيدة أجاد فيها ما أراد:
بلغ الزمان بهديكم ما أملا ... وتعلمت أيامه أن تعد لا
وبحسبه أن كان شيئاً قابلاً ... وجد الهداية صورة فتشكلا