فقال عبد المؤمن إلى أين؟ إلى أين؟ رافعاً بها صوته فقال الشاعر:
أين المفر وخيل الله في الطلب؟ !
وأين يذهب من في رأس شاهقة ... وقد رمته سماء الله بالشهب
تحدث عن الروم في أقطار أندلس ... والبحر قد ملأ العبرين بالعرب
فلما أتم القصيدة قال عبد المؤمن مثل هذا تمدح الخلفاء! وأنشد ابن سيد الإشبيلي الملقب باللص:
غمض عن الشمس واستقصر مدى زحل
وانظر إلى الجبل الراسي على جبل
أني استقر به؟ أني استقل به؟
أني رأي شخصه العالي فلم يزل
فقال له عبد المؤمن لقد أثقلتنا يا رجل! فأمر به فأجلس. وأنشد محمد بن غالب البلنسي المعروف بالرصافي:
لو جئت نار الهدى من جانب الطور ... قبست ما شئت من علم ومن نور
الخ «هذا وغيره يفيدك بالخبر اليقين عن عناية الموحدين بالأدب ويدلك على نشاط الحركة الأدبية ونفاق سوقها في هذا العصر الزاهر، حتي عمت البدو والحضر والعرب والبربر؛ فأخصبت الأفكار وتفتحت العقول وآتت الآداب والفنون أكلها الشهي وثمرها الجني. أما الفضل في ذلك كله فإنه يرجع إلى عبد المؤمن وحده الذي عرف من أين تؤكل الكتف، فاستغل جميع عناصر الحياة التي كانت متوفرة في عهد الملوك المرابطين قبله ولم يترك من وسائل التشجيع وأسباب التنشيط شيئاً إلا فعله، واستحدث في ذلك أساليب خاصة به، وكيفيات لم يتبع فيها أحداً. ولعل