فأصبح وكأنما آوي إلى وطن وسكن هما أعرف به منه بهما. فكيف تم ذلك؟ وما هي العوامل والأسباب التي سنت الوصول إلى هذه الغاية؟
إن المغاربة الذين كانوا قد اعتادوا حياة الفوضى، وألفوا التمرد والعصيان، بعد أن تمكن منهم العرب وكسروا شوكتهم، أصبحوا مقتنعين بعدم إجداء المقاومة عنهم وذهاب كل مجهوداتهم في الدفاع سدى، لما رأوه من شدة مراس العرب للحروب وطول مغالبتهم لأعدائهم. فلم يسعهم، والحالة هذه، إلا الإذعان لسطوتهم وتسليم مقاليد الأمور اليهم. فساسوهم بالحكمة والإنصاف، وأخذوهم بالعدل والمساواة، حتى أووا إلى ظل الطاعة، واخلدوا إلى السكينة والهدوء.
هنالك تذوقوا طعم السلم لأول مرة، وانصرفوا إلى إدارة شؤونهم وتدبير مصالحهم. وبدأوا يشعرون بهناءة الحياة، ويجدون لذاذتها.
ثم نظروا فيما تخلف بأيديهم من عادات الوثنية، وبقايا الديانات الأخرى المحرفة. فلم يجدوا في ذلك شفاء غلتهم ونقع أوامهم؛ فأخذوا يتطاولون بأعناقهم إلى الدين الجديد الذي جاء به الفاتحون الأقوياء ورأوه موفياً بأغراض الحياة ومآربها، ضامناً لمصالح البشر في المعاش والمعاد. فكان منه إليه خير داعية ومرشد، أنار أمامهم السبل، وأبان لهم معالم الرشد. وسرعان ما استمالهم إلى جانبه، وادخلهم في حظيرته. وكان أكثر ظاهر أنه تأثيراً عليهم ثلاثاً.
أ- يسر شريعته، وسماحته غير المحدودة. فكل تعاليمه هين سهل، يمكن الإحاطة به والقيام عليه في غير تعب ولا عناء. والإسلام كما لا يخفى، دين الفطرة الخالي من التكاليف الشاقة التي تجعله عبئاً ثقيلاً على كواهل معتنقيه. إذ ليس فيه إلا ما ينطبق على النظر والمصلحة العامة.
ب- حسن معاملته لكل من يدين به ويحتمي بحماه، فما هو إلا أن يتعلق بسبب من أسبابه، حتى يصبح عضواً عاملاً في جماعته الكبيرة، لا يميزه عن بقية أعضائها مميز، ولا يفصل بينه وبينهم فاصل. واعتبر ذلك في ابن الكاهنة المغربية