أبو علي اليوسي فلم يترك مقالاً لقائل على عادته، وقطعت جهيزة قول كل خطيب.
ولم تكن هذه المناظرة هي الوحيدة من نوعها فقد قامت بين اليسيثني أيضاً، والشيخ عبد الوهاب الزقاق مناظرة أخرى في مسألة خلف الوعد من الله تعالى، فقال الزقاق أن ذلك يصح منه، وخالفه اليسيثني. وألف كل منهما في المسألة منتصراً لرأيه، مما يدل على زيادة اعتنائهم بهذا العلم وكثرة اشتغالهم به.
وأما التصوّف فقد كان طغى عليه سيل التدليس والتلبس، فقيض الله له مثل ابن خجو والهبطي، فهذباه ونقحاه. وكان الشيخ أبو العباس الصومعي، حامل رايته علماً وعملاً، ومن لم يستغل مقامه وجاهه ولا استغله أحد على كثرة هذا الصنف في المتصوفة بهذا العصر.
هذا ما يرجع إلى علوم الشريعة. وأما علوم الأدب فالنحو بالخصوص مما ظهر عليه أثر التحول جليّاً واضحاً، فاقتصر طلابه على اثنين أو ثلاثة من الكتب المختصرة أو المنظومة لا يجاوزونها إلى غيرها أبداً، وقد نشط العلماء في شرح هذه الكتب والتعليق عليها نشاطاً لا مزيد فوقه.
وأما علوم البلاغة فإنها كانت نافقة جداً، إلا أن أثرها في الألفاظ كان أقوى منه في المعاني، وعلى الأخص عند بعض الأدباء الذين شغفوا بالبديع فأكثروا منه إلى حد الإغراب. وقد كان على رأسهم المنصور الذهبي الذي هو في ملوك المغرب كابن المعتز في ملوك المشرق إلا أن هذا لم تدركه حرفة الأدب كما أدركت سلفه.
وأما علم التاريخ فهو الوحيد من علوم الأدب الذي ازدهر في هذا العصر ازدهاراً كبيراً إذ رزق رجالاً أكفاء انصرفوا لخدمته ووجهوا اهتمامهم إليه، وبالخصوص تاريخ السعدييّن الذي لولا هذه العناية لظل محجوباً عن الباحثين، كتاريخ الوطاسيين قبله، محاطاً بالغموض الذي يحوج المؤرخ إلى الرجم بالظنون وافتراض الفروض ولعل هذا الاهتمام كان منشأه تعضيد الأشراف السعديّين للمؤرخين وعلى الأخص المنصور الذي اجتمع في بلاطه عدد كبير منهم كالعلامة المقرّي صاحب نفح الطيب وأزهار الرياض وغيرهما وأبي العباس بن القاضي وعبد العزيز الفشتالي ومحمد بن علي