الفطرة والخلق القويم، مستعد بذاته للانتشار؛ فكذلك هذه الفصحى، لغة البيان والشعر، تمتلك برقتها القلوب، وتستلب العقول. وأحر بالشعب الذي دخلاه معاً، فرحب بها وأحسن اقتبالهما، أن يشهد التطور العتيد، والفتح الجديد في مزاجه وعقليته وحياته العامة.
ولقد سارت العربية في المغرب أول الأمر بسير الإسلام، مترسمة خطاه متتبعة آثاره. حتى إنها لو كانت بقيت من ذلك الوقت تنمو وتشير، لكانت الآداب العربية قد أتت أكلها من ذلك الوقت أيضاً؛ ولكن عوائق كثيرة حالت دون سيرها المطرد، وتقدمها المستمر. فتأخرت بذلك النهضة الأدبية في المغرب، وتقدمت في الأندلس، التي فتحت بعده، حيث لم تجد في طريقها شيئاً من تلك العراقيل.
وأول ما بدأ نشاط هذه الحركة، في أيام حسان بن النعمان الغساني، أحد ولاة إفريقية من قبل عبد الملك بن مروان. فإنه كان من الممهدين السبيل لتقدم الثقافة العربية واستقرار الحضارة الإسلامية بالمغرب. فدون الدواوين، ورسم اللغة العربية، أي جعلها لغة الدولة الرسمية، فأوجب بذلك تعلمها على السكان، المسلمين وغير المسلمين. ثم بعد ذلك، أنزل عمر بن عبد العزيز بإفريقية والمغرب عشرة من الفقهاء يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين. كذلك فعل موسى بن نصير؛ فرتب عدداً من الفقهاء والقراء للغرض نفسه. وهذه كلها محاولات كان لها نتيجتها الطيبة، وأثرها المحمود في سرعة استعراب المغاربة، وطبعهم بالطابع العربي الصميم. كما شوهد ذلك يوم فتح الأندلس، حيث خطب طارق بن زياد وهو مولى مغربي لموسى بن نصير، خطبته المشهورة في جيشه الذي أناف على اثني عشر ألف جندي، فيهم ثلاثمائة فقط على أكثر تقدير من العرب، ففهمها الجيش كله، وأثرت فيه تأثيرها البليغ المشهود في اندفاعه إلى حومة الوغى، وتهافته على الموت بإيمان وحماس. فكيف يفسر هذا بغير سرعة انتشار العربية، كالسرعة التي انتشر بها الإسلام؟
أما والأمر هكذا، فما الذي قضى عليها بعد ذلك، وأوقف سيرها لأمد بعيد جداً؟ هنا مضلة الأفهام، ومزلة الأقلام. والذي يظهر لنا أنها تلك الفتن والحروب التي نشبت بين العرب والمغاربة فيما بعد. والتي كان مثارها التعصب الأعمى والعنصرية المقيتة. ومما لا شك فيه، أن بعض الحصون والمعاقل المنيعة التي لم يكن