معذرة ولم يكلني إلى ما في الوسع من المقدرة، وقد يعود على علمك بحر القريحة ثمداً، وحسام الذهن معضداً، فتكلفتها بحكم هذا الغرام تحت حصر ونازح بصر، فإن سمحت بالأغضاء، وسامحت في الاقتضاء، سلمت لك اليد البيضاء وظهرت لشكرك بالفضاء، وأما العذر الذي توخيت ولا عدمت شرحه وحميت بقوة الكلام سرحه، فإني غني عن تكلفات إيضاحه، ومد أوضاحه، فالذي يثبت في النفوس، من الود المصون المحروس، لا يخشى عليه من تسلط الطموس والدروس، ولا أقول أن ودي لك كالتبر إذ لا يصفو ما لم يشبه لهيب الجمر، ولا كالراح، حيث يفتقر في الرقة إلى المساء والصباح، بل أقول أن ودي لك أبيت اللعن، كالفرات العذب، يشفي غليل القلب ويطفي لهيب الصب، يحل بالأرض الميتة فيحييها، ويمر بالروضة الذابلة فيتوجها بالأزهار ويحليها، وأنت أعزك الله لا تثريب عليك إذ كل يعمل على شاكلته، ويجري في أموره على مقتضى مرتبته، فإن حنو السيد، وأنت ذاك، يستكثر قليله، وإخلاص العبد، وهو أنا يستحقر كما علمت جليله، والحب أغلب ومعرفة المرء نفسه أصوب.
وإن تفضلت بالاستفسار عن أحوال العبد فإن الحال في خير، والمآل يعلمه الله تعالى، وبالجملة فسهم المصيبة أن سدده الدهر، فعلى مثله وقع، والتألم بمثل هذه الحالة قد ارتفع:
ولم أر مثل الصبر، أما مذاقه. . . فحلو، وأما وجهه فجميل