الحقيقة في غير نزق، والتي تتبع أوثق المصادر في غير تحيز، وتواجه الصعوبات في صبر وهدوء، وتطلب المستحيل في ثقة العلم الصحيح، واندفاعة الهمة التي لا تنثني. إنه لا يدلي بالرأي إلا بعد الدرس الطويل، والمقارنات والتعليلات العميقة، ولا يقدم الحكم إلا بعد الجولات الواسعة في عوالم التاريخ والفلسفة والاجتماع والسياسة، وبعد التنقيب الواسع في زحمة العوامل والبواعث أياً كان نوعها. ومن ثم تراه يفرض أحكامه فرضاً في غير تبجح ولا تطفل، لا بل ترى آراءه ذات فعالية وسلطان تواجه العقل في قوة جذابة وتستولي عليه بما فيها من بلاغة إقناع ونصاعة حقيقة.
ومما لا شك فيه أن كتاب «النبوغ المغربي» كنز ثمين من كنوز العلم، ومصدر من أوثق مصادره، وموسوعة مغربية لا يقدرها حق قدرها إلا من لمس النقص في كتب الأدب وعرف هذا الجهل أو التجاهل الذي صدف بالكتاب عن آثار هذا العالم الغني بعبقرياته، العريق في رقيه وحضاراته، الجليل الأثر في توجيه الفكر العربي منذ أقدم عصوره.