للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قواد جيشه، إلا أن المعركة الكبرى التي خاضها ضد الفونس الثامن ملك قشتالة (١) كانت أجل أعماله الجهادية. وتسمى غزوة الأرك باسم الحصن الذي دارت حوله. وكانت يوم الخميس? شعبان سنة ٥٩١ وشارك فيها جيش الأندلس والعرب والموحدين وسائر قبائل المغرب فضلاً عن المتطوعة والعبيد؛ فهزم العدو هزيمة شنعاء وقتل من رجاله عدد كبير. وأما الأسرى والغنائم فشيء يفوت العد والإحصاء. وكانت هذه الواقعة أخت الزلاقة في خضد شوكة النصارى والتمكين الإسلام في أرض الأندلس إلى أمد بعيد.

وقد اشتهر إن السلطان صلاح الدين الأيوبي استنجد بيعقوب المنصور في حربه مع الصليبيين على بيت المقدس، ورجاه أن يبعث بأساطيله ليحول بينه وبين أساطيلهم المتدفقة على بلاد الشام فلم يجبه، وأن ذلك فيما يروي المؤرخون لكون صلاح الدين لم يخاطبه في رسالته بأمير المؤمنين. وهذا تعليل بارد لا نراه يتفق مع أخلاق المنصور وعلو همته وبعد نظره، وإنما الحقيقة أن صلاح الدين كان سرح مولاه قراقوش لبلاد المغرب سنة ٥٦٨ ففتح طرابلس وما والاها من البلدان ووضع يده في يد العرب وابن غانية (٢) وشغب كثيراً على المنصور مما سبب له متاعب جمة في بلاد إفريقية، لولاها لكان له في بلاد الأندلس فتوحات عظيمة لا تقدر بقيمة. فهذا هو السبب الحقيقي في إعراض المنصور عن نجدة صلاح الدين الذي ضربه من الخلف وأراد أن يغرر به لإتمام الضربة وإلا فأعمال المنصور في الجهاد وإعلاء كلمة الإسلام لا تقل عن أعمال صلاح الدين.

ويقال إنه بعد أن صرف رسوله جهز من أساطيله لهذا الغرض ١٨٠ قطعة ومنع


(١) A. G. Palencia: His. de La Espanà musulmana. p. ١٠٨.
وقد اضطربت كلمة المؤرخين العرب فبعضهم يجهله الفونس الثالث وبعضهم يجعله التاسع وكلاهما لا يصح.
(٢) بنو غانية هم بقية من المرابطين كانوا يلون جزائر شرق الأندلس المعروفة اليوم بالبليار. وكثيراً ما شوشوا على الموحدين بهجومهم ع على مدن الساحل الأفريقي المواجه للجزائر المذكورة. وكان أولهم محمد بن علي بن يحيى المسوفي، عرف بغانية أمه: آخرهم يحيي بن إسحق بن محمد المذكور والقائم منهم على المنصور هو علي أخو يحيي.

<<  <  ج: ص:  >  >>