فعلاً، ولهذا فإنك تشير إليه؛ إذ لا يشار إلا إلى موجود، وبإشارتك إليه دون غيره، تكون قد ميزته عن غيره مما لو تشير إليه مما هو موجود معه بخلاف العلم - مثلاً - فإنك إذا قلت "محمد" - مثلاً - فإن هذا الاسم - وإن كان قد وضع لذات معينة- فإن ثمة مسميات أخرى بهذا الاسم، فلا يتم تمييز المسند إليه أكمل تمييز.
وقد يقتضي المقام تمييز المسند إليه أكمل تمييز لكي تسند إليه الخبر قوياً متمكناً، وذلك لأن ظهور المسند إليه ووضوحه في ذهن السامع مما يعين على قوة إسناد الخبر إليه، كقول ابن الرومي، يمدح أبا الصقر الشيباني:
هذا أبو الصقر، فردا في محاسنه ... من نسل شيبان بين الضال والسلم
فقد أراد الشاعر أن يخبر الممدوح بأنه أشهر من نار على علم بتفرده في كل حسن معنوي، وأنه سليل قوم ذوي شمم وإباء، لأنهم يسكنون البوادي، حيث الحرية والبعد عن سلطة الحكام، فقال لتمييزه أكمل تمييز لكي يسند إليه الخبر بأنه (أبو الصقر)، أي الذي يعرفه كل الناس لتفرده في محاسنه، وأنه (من نسل شيبان) الذين يسكنون البوادي، ويعشقون الحرية، فكان من قوة الخبر ما قد رأيت.
ومنه قول بعض الشعراء يمدح حاتماً الطائي:
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر
أو ما إلى الكوماء: هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تتحرى! !
يقول الشاعر: إن حاتماً إذا رأى في ظلمات الليل ضيفاً أشار إلى الناقة العظيمة السنام قائلاً لها: هذا القادم إلينا ضيف طارق، لا كنت أن لم تكوني له طعاماً.
فقد عبر عن المسند إليه باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز، لكي يسند إليه الخبر متمكناً قوياً، وهو أنه ضيف طارق وجب قراه.
٢ - التعريض بغباوة السامع، وأنه لا يفهم إلا من المحسوسات التي يشار إليها بالبنان، ومن ذلك قول الفرزدق يمدح علياً بن الحسين بن علي بن أبي طالب عندما نجهله هشام بن عبد الملك قائلاً: من هذا؟ :