[فإن كان هذا المظهر اسم إشارة، فلأغراض بلاغية، أهمها]
١ - كمال العناية بتمييز المسند إليه، ليبدو في معرض المحسوس المشار إليه لاختصاصه بأمر عجيب، ومن ذلك قول ابن الراوندي:
كم عاقل أعبت مذاهبه ... وجاهلٍ جاهلٍ تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرةً ... وصير العالم التحرير زنديقا!
والشاهد في البيتين قوله:(هذا الذي) فقد عبر عن المسند إليه باسم الإشارة، وكان ظاهر الحال يقتضي أن يعبر عنه بالضمير، فيقال: هما، وذلك لتقدم مرجعه، وهو ما أفاده البيت الأول من حرمان العاقل، وإعطاء الجاهل، ولكنه عدل عن الضمير إلى اسم الإشارة - كما رأيت- لكمال العناية بتمييزه، لاختصاصه بحكم بديع، وذلك لأن هذا الأمر لما كان قد خرج عن المألوف المتعارف اختص بحكم بديع، وهو ترك العقول حائر وجعل العالم الذكي مزعزع الإيمان ملحداً، ولهذا كان جديراً بأن يميز أكمل تمييز ليشار إليه ويسند إليه هذا الحكم.
٢ - التهكم بالسامع، وذلك كأن يسأل بصيراً عن شيء، فيجيبه آخر مشيراً إلى غير شيء تهكماً به.
[٣ - التنبيه على كمال بلادة السامع؛ وأنه لا يدرك غير المحس بحاسة البصر، أو على كمال فطانته؛ وأن غير المحس عنده بمثابة المحس.]
فمثال الأول قولك لمن يسألك عما بيدك - وبيدك مصحف-: هذا مصحف شريف، وكان الظاهر أن تقول: هو مصحف؛ ولكنك قلت: هذا مصحف لتنبيه على كمال بلادته.
ومثال الثاني: قول الأستاذ لطلابه بعد أن يشرح مسألة: هذه مسألة واضحة. وكان مقتضى الظاهر أن يقول: هي مسألة، ولكنه عبر باسم الإشارة تنبيهاً على كمال فطنة الطلاب وأن المعقول عندهم كالمحس بحاسة البصر.