للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمعنى الجملة الأولى: لن تدوم لك صداقة الصديق ما لم توطن نفسك على انه بشر يخطئ ويصيب؛ لأن الإنسان الكامل الخالي من العيوب غير موجود، ومعنى الجملة الثانية: ليس هناك رجل كملت فيه الفضال، ولهذا كانت مؤكدة لما فهم من الجملة الأولى.

(٧) التكميل ويسمى (الاحتراس): وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المراد بما يدفع ذلك الإبهام، وهذا الدفع قد يكون في أول الكلام، وقد يكون في وسط وقد يكون في آخره.

فمثال الأول قول المتنبي:

غير اختيار قبلت برك بي ... والجوع يرضي الأسود بالجيف

فقوله: (غير اختيار) تكميل أتى به دفعًا لأن يكون قبول البر به كان عن رضًا واشتهاء له، وقد جيء به من أول الكلام.

ومثال الثاني قول طرفة بن العبد:

فسقى ديارك - غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي

لما كان المطر قد يئول إلى خرب الديار وفسادها أتى بقوله: (غير مفسدها) دفعًا لما يتوهم من ذلك الخراب والفساد.

ومنه قول عبد الله بن المعتز، يصف فرسًا:

صببنا عليها - ظالمين - سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل

فقوله: (ظالمين) تكميل أو احتراس، دفع توهم أن الفرس متبلدة متثاقلة تستحق الضرب، ومنه قول كثير عزة.

لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن- عند موفق- لقضى لها

يريد: عند حاكم كموفق، ليكون الحكم صحيحًا، فقوله: (عند موفق) تكميل أتى به دفعًا لتوهم أن الحكم غير صحيح.

<<  <   >  >>