والقراءة الثانية:(حرم) مبنياً للفاعل أيضاً مع رفع (الميتة) على أنه خبر (إن) وضمير الفعل عائد كذلك على الله تعالى، و (ما) حينئذ موصولة اسم (إن) محذوفة العائد، والتقدير: إن الذي حرمه الله عليكم الميتة وهذه القراءة - أيضاً - مفيدة للقصر، ولكن بتعريف الطرفين.
فإذا ما علمنا ذلك علمنا أن معنى القراءة الأولى:(ما حرم الله عليكم إلا الميتة) مطابق لمعنى القراءة الثانية: (إن الذي حرمه الله عليكم الميتة) في إفادة القصر وإن اختلف الطريقان، فطريق الأولى:(إنما) وطريق الثانية: تعريف الطرفين، والتطابق في المعنى بين القراءات واجب، ولا يتم هذا التطابق إلا إذا كانت (إنما) متضمنة معنى (ما وإلا).
ب- ما قاله النحاة الأوائل: وهم الذين شافهوا العرب من أن (إنما) لإثبات ما يذكر بعدها ونفى ما سواه، فقولك في قصر الموصوف على الصفة (إنما أبو الطيب شاعر) لإثبات شاعرية أبي الطيب ونفى ما عداها من الصفات كالكتابة والخطابة والشجاعة وغيرها، وهذا المعنى هو معنى (ما وإلا) لأن (ما) للنفي، و (إلا) للإثبات.
جـ- وجوب انفصال الضمير معها مع إمكان اتصاله، كما في قولك:(إنما يأبى الذل أنا) والقاعدة عند النحاة أن الضمير إذا أمكن وصله وجب ولا يعدل عن وصله إلى فصله إلا لموجب، كتقديمه على عامله، وكوجود فاصل من شأنه أن يفصل بين الضمير وعامله، ولا تقديم هنا، فتعين وجود الفاصل.
وهذه القاعدة هي التي أشار إليها ابن مالك في ألفيته بقوله:
وفي اختيار لا يجيء المنفصل ... إذا تأتي أن يجيء المتصل
ولا يصلح الفصل في موضع (إنما) إلا (بما وإلا) فوجب أن يكون معنى (إنما يأبى الذي أنا): ما يأبى الذي إلا أنا، ولو قلت: إنما أبى الذل لفات هذا المعنى.
وقد استشهدوا على وجوب هذا الفاصل بقول الفرزدق:
أنا الذائد الحامي الذمار إنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي