وقف نقاد العرب طويلًا عند مطلع القصيدة، وعند الانتقال من فاتحتها إلى الغرض منها، ثم عند خاتمتها، ولهذا قالوا: إنه ينبغي للشاعر أو الأديب أن يتأنق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى تكون أعذب لفظًا، وأحسن سبكًا، وأصح معنى.
الموضع الأول:
الابتداء، ويسمونه (حسن الابتداء) لأنه أول ما يقرع السمع، فإن أحسن الشاعر أو الأديب ابتداء كلامه، أقبل السامع على كلامه وأحسن الإصغاء إليه نوعًا؛ وإن كان غير ذلك أعرض عنه ولم يلتفت إليه وإن كان في غاية الحسن.
وضربوا لحسن الابتداء أمثلة كثيرة من المطالع الجيدة، فمنها:
كليني لهم - يا أميمة - ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وقالوا: إنه أحسن ابتداءات الجاهلية؛ وذلك لأنه دل من أول الأمر على حال الشاعر عندما غضب عليه النعمان وتوعده، وصور ما يتعلج في قلبه من هم أعياه؛ وأقض مضجعه، وحرمه النوم الهنيء؛ فألم به أرق جعل ليله طويلًا وكل ذلك وضع في أسلوب بين واضح، وارتباط قوي بين شطري البيت وتناسب في القوة والجزالة، كما أنهم قالوا: إن أحسن مرئية جاهلية: ابتداء قول اوس بن حجر:
أيتها النفس أجملي جزعًا ... إن الذي تحذرين قد وقعا
ولعل حسن هذا المطلع راجع إلى تعبير عما كان يضمره الشاعر لهذا الذي يرثيه من حب وإعزاز، وما كان يخشى عليه من عدوان الموت، ونزول الحمام بساحته؛ أما وقد نزل المحذور فإن نفسه قد مضت في الحزن إلى أبعد الغايات واستسلمت إلى البكاء والنحيب والجزع؛ وهو لذلك يطلب إليها أن تتحمل المصاب في صبر، وألا تسترسل في آلامها على الرغم من أن ما تحذره من المكروه قد نزل بساحتها وألم بها.