حملت ودينيا كأنَّ سنانهُ ... سنا لهب لم يصل بدُخان
فقد شبه الشاعر سنان الرمح، يلهب له سنا، فاعتبر في كل منهما شكله المخروطي الدقيق الطرف وزرقته الصافية وبريقه، ثم قصد أن ينفي الدخان عن السنا تحقيقاً للتشبيه، ولو لم ينف ذلك لم يتحقق التشبيه المقصود لأنه ليس في رأس السنان ما يشبه الدخان.
والثانية: أن تؤخذ جميع الأوصاف وتعتبر جميعها في وجه الشبه، وذلك كما في قول الشاعر:
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى ... كعنقود ملاحية حين نورَّا
فقد اعتبر في كل من المشبه والمشبه به: الشكل، والمقدار، واللون، والوضع الخاص.
[لماذا كان التفصيل - في الوجه - مزية على الإجمال؟]
وإنما كان للتفصيل في وجه الشبة مزية على الإجمال لأمور ثلاثة هي:
أولاً: أن الجملة - أبداً - أسبق إلى النفوس من التفصيل.
ثانياً: أنك تجد الرؤية نفسها لا تصل إلى التفصيل بالبديهة، ولكنك ترى بالنظر الأول الوصف على الجملة، ثم ترى التفصيل عند إعادة النظر، ولهذا قالوا: النظرة الأولى حمقاء.
ثالثاً: أنك في إدراك تفصيل ما تراه وتسمعه أو تتذوقه كمن ينتقى الشيء من بين جملة، وكمن يميز الشيء مما قد اختلط به، ولكنك حين لا يهمك التفصيل تكون كمن يأخذ الشيء جزافاً.
وإذا كان ذلك ثابتاً في الأمور المشاهدة وما يجرى مجراها مما تناله الحواس فإن القلب كذلك، تجد الجمل دائماً هي التي تسبق التفاصيل إلى الخواطر، أما التفاصيل فإنها مغمورة في ثناياها لا تعرفها إلا بعد إعمال الفكر والرواية.
ولهذا فإن الاشتراك في الصفة على الإطلاق كأن يكون كلا الشيئين أسود أو أحمر أقل من أن يحوج إلى قياس وتشبيه.